وَهِيَ (مَا دَلَّ عَلَيْهَا فِعْلُهُ) لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهَا (مِنْ قُدْرَةٍ) وَهِيَ صِفَةٌ تُؤَثِّرُ فِي الشَّيْءِ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهِ (وَعِلْمٍ) وَهُوَ صِفَةٌ يَنْكَشِفُ بِهَا الشَّيْءُ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهِ (وَحَيَاةٍ) وَهِيَ صِفَةٌ تَقْتَضِي صِحَّةَ الْعِلْمِ لِمَوْصُوفِهَا (وَإِرَادَةٍ) وَهِيَ صِفَةٌ تُخَصِّصُ أَحَدَ طَرَفَيْ الشَّيْءِ
ــ
[حاشية العطار]
بِأَنَّ الصِّفَاتِ عَيْنٌ لَا غَيْرُ كَشْفًا وَيَقِينًا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْلَى اهـ.
وَقَالَ مُنْلَا جَامِي نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ ذَوَاتُنَا نَاقِصَةٌ، وَإِنَّمَا يُكَمِّلُهَا الصِّفَاتُ فَأَمَّا ذَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَهِيَ كَامِلَةٌ لَا تَحْتَاجُ فِي شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ إذْ كُلُّ مَا يُحْتَاجُ فِي شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ فَهُوَ نَاقِصٌ وَالنُّقْصَانُ لَا يَلِيقُ بِالْوَاجِبِ تَعَالَى فَذَاتُهُ كَافِيَةٌ لِلْكُلِّ فِي الْكُلِّ فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْلُومَاتِ عِلْمٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْدُورَاتِ قُدْرَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَادَاتِ إرَادَةٌ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ لَيْسَ فِيهَا اثْنَيْنِيَّةٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ اهـ.
وَقَدْ وَرَدَ عَلَيْنَا قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بَعْضٌ مِنْ عُلَمَاءِ بُلْغَارَ وَمَعَهُ سُؤَالٌ يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافَاتِ وَفِيهِ كَلَامٌ وَقَعَ بَيْنَ عُلَمَاءِ تِلْكَ الْبِلَادِ فَكَتَبْت فِي شَأْنِ ذَلِكَ رِسَالَةً اسْتَوْفَيْت فِيهَا أَطْرَافَ الْمَسْأَلَةِ، وَمَسْأَلَةُ الصِّفَاتِ مِنْ الْمُعْضِلَاتِ حَتَّى أَنَّ الْفَخْرَ الرَّازِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ كَمَالِ مَهَارَتِهِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَمَزِيدِ تَقَدُّمِهِ فِيهِ اضْطَرَبَ كَلَامُهُ فِيهَا، وَزَلَّتْ قَدَمُهُ فِي بَعْضِ مَبَاحِثِهَا.
قَالَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ إنَّ الْحَاصِلَ فِي الْمَعْقُولِ هَهُنَا أَرْبَعَةٌ ذَاتٌ وَصِفَاتٌ وَأَحْوَالٌ وَتَعَلُّقَاتٌ فَالْقَاضِي أَثْبَتَ الْجَمِيعَ، وَالشَّيْخُ وَالْأُسْتَاذُ أَثْبَتَا الْجَمِيعَ إلَّا الْأَحْوَالَ فَإِنَّ مَا زَعَمُوا أَنَّهُ حَالٌ وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ الزَّائِدُ عَلَى مَعْقُولِ الذَّاتِ وَالصِّفَةِ فَهُوَ مُجَرَّدٌ نِسْبَةً فِي الْعَقْلِ فَقَطْ، وَالْمُعْتَزِلَةُ أَثْبَتُوا الذَّاتَ دُونَ الصِّفَاتِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْمُعْتَزِلِيُّ أَثْبَتَ الذَّاتَ وَالتَّعَلُّقَاتِ كَمَا صَارَ إلَيْهِ الْفَخْرُ وَقَضَى بِصِحَّةِ تَجَدُّدِهَا عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْفَخْرِ ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ فِي الْعَقْلِ أَنَّ الذَّاتَ الْمَخْصُوصَةَ مُوجِبَةٌ لِهَذِهِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ ابْتِدَاءً إلَخْ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ عُقُولَ الْبَشَرِ قَاصِرَةٌ عَنْ الْوُصُولِ إلَى هَذِهِ الْمَضَايِقِ مَعَ جَزْمِهِ بِأَنَّ الذَّاتَ مُوجِبَةٌ لِتِلْكَ الْإِضَافَاتِ إمَّا بِنَفْسِهَا أَوْ بِوَاسِطَةِ جَمْعٍ بَيْنَ جَرَيَانِ الْعَقْلِ وَوَقْفِهِ، وَهَذَا ظَاهِرَةُ تَنَاقُضٍ وَغَايَةُ مَا يُقْبَلُ كَلَامُهُ مِنْ التَّأْوِيلِ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِيجَابِ الِاسْتِلْزَامَ لَا التَّأْثِيرَ، وَيُرِيدَ أَنَّ اسْتِلْزَامَ النَّسَبِ مَعْلُومٌ قَطْعًا أَمَّا اسْتِلْزَامُ الذَّاتِ لِلصِّفَاتِ وَالصِّفَاتِ لِلْأَحْوَالِ وَالْأَحْوَالِ لِهَذِهِ الْإِضَافَاتِ أَوْ اسْتِلْزَامُ الصِّفَاتِ لِلْإِضَافَةِ بِدُونِ وَاسِطَةِ الْأَحْوَالِ أَوْ اسْتِلْزَامُ الذَّاتِ لِحَالَةٍ تَسْتَلْزِمُ هَذِهِ التَّعْلِيقَاتِ فَكَأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ تَوَقُّفٌ عَقْلِيٌّ لَمْ يَقُمْ لَهُ عَلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ.
وَلَكِنَّهُ يَكُونُ وَاقِفًا فِي ذَلِكَ وَقْفَ حِيرَةٍ كَمَا وَقَفَ الْأَصْحَابُ فِي أَخَصِّ وَصْفِ الْبَارِي وَفِي حَصْرِ الصِّفَاتِ وَسِرِّ الْقَدَرِ، فَالْمَحَلُّ الَّذِي جَزَمَ فِيهِ غَيْرُ الْمَحَلِّ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ سِوَى دَعْوَى عَدَمِ عِلْمٍ فَإِنَّ الْمَدَارِكَ الْعَقْلِيَّةَ فِيهِ غَامِضَةٌ وَنُصُوصَ الشَّرْعِ غَيْرُ مُفْصِحَةٍ فِيهِ إفْصَاحًا قَاطِعًا لِلِاحْتِمَالِ لَكِنَّ تَصْرِيحَهُ بِالْإِمْكَانِ وَالِافْتِقَارِ يُبْعِدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ كُلُّ دَاءٍ يُعَالِجُهُ الطَّبِيبُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَيْهَا فِعْلُهُ) يُشِيرُ إلَى دَلِيلِ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الْمُتْقَنَةَ الْمُشَاهَدَةُ لَنَا دَالَّةٌ عَلَى وُجُودِ إلَهٍ وَاجِبٍ قَدِيمٍ مُتَّصِفٍ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ مُنَزَّهٍ عَنْ سِمَاتِ النَّقْصِ كَمَا قِيلَ:
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ
(قَوْلُهُ: عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهِ) فَلَهَا تَعَلُّقٌ تَنْجِيزِيٌّ حَادِثٌ (قَوْلُهُ: يَنْكَشِفُ) فِيهِ أَنَّ الِانْكِشَافَ انْفِعَالٌ فَيُوهِمُ حُدُوثَ اتِّضَاحٍ بَعْدَ خَفَاءٍ وَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ عِلْمٌ حُضُورِيٌّ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِأَنَّهُ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْإِحَاطَةِ بِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ دُونَ سَبْقِ خَفَاءٍ ثُمَّ إنَّهُ خَرَجَ بِقَيْدِ الِانْكِشَافِ الصِّفَاتُ الَّتِي لَا تُوجِبُ انْكِشَافًا كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، ثُمَّ إنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ صِفَةَ تَأْثِيرٍ (قَوْلُهُ: تَقْتَضِي صِحَّةَ الْعِلْمِ) وَكَذَا بَاقِي الصِّفَاتِ ثُمَّ الصِّحَّةُ هُنَا بِمَعْنَى الْجَوَازِ أَيْ لَا يَجُوزُ بِدُونِهَا فَالْجَوَازُ رَفْعُ الِاسْتِحَالَةِ أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الْحَيَاةِ لَا يَسْتَحِيلُ الِاتِّصَافُ بِالْإِدْرَاكِ فَهُوَ إمْكَانٌ عَامٌّ شَامِلٌ لِلْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ فَفِي حَقِّ الْقَدِيمِ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ وَفِي حَقِّنَا بِمَعْنَى الْجَوَازِ وَهِيَ فِي الْحَادِثِ مُرْتَبِطَةٌ بِالرُّوحِ