للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِالْوُقُوعِ (أَوْ) دَلَّ عَلَيْهَا (التَّنْزِيهُ) لَهُ تَعَالَى (عَنْ النَّقْصِ مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ) وَهُمَا صِفَتَانِ

ــ

[حاشية العطار]

بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَجْرَى عَادَتَهُ إذَا اتَّصَلَتْ الرُّوحُ بِالْجَسَدِ حَصَلَ لَهُ وَصْفُ الْحَيَاةِ فَحَيَاةُ الْجِسْمِ بِالرُّوحِ وَحَيَاةُ اللَّهِ بِلَا رُوحٍ لِاسْتِغْنَاءِ صِفَاتِهِ عَنْ مُقَوِّمٍ تَقُومُ بِسَبَبِهِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ) أَرَادَ بِهِمَا الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ بِتَخْصِيصِ الْمُمْكِنِ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمُتَقَابِلَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ:

الْمُمْكِنَاتُ الْمُتَقَابِلَاتُ ... وُجُودُنَا وَالْعَدَمُ الصِّفَاتُ

أَزْمِنَةٌ أَمْكِنَةٌ جِهَاتُ ... كَذَا الْمَقَادِيرُ رَوَى الثِّقَاتُ

لَكَانَ أَحْسَنَ لِعُمُومِهِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ تَعَالَى مَرِيدٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَزَعَمَ أَهْلُ الِاعْتِزَالِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الشَّرَّ فَيَلْزَمُهُمْ وُقُوعُهُ عَلَى خِلَافِ إرَادَتِهِ تَعَالَى وَهُوَ غَايَةُ الشَّنَاعَةِ حُكِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ مَا أَلْزَمَنِي أَحَدٌ مِثْلَ مَا أَلْزَمَنِي مَجُوسِيٌّ كَانَ مَعِي فِي السَّفِينَةِ فَقُلْت لَهُ لِمَ لَا تُسْلِمُ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ إسْلَامِي فَإِذَا أَرَادَ إسْلَامِي أَسْلَمْت، فَقُلْت لِلْمَجُوسِيِّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ إسْلَامَك وَلَكِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتْرُكُك فَقَالَ الْمَجُوسِيُّ فَأَنَا إذًا أَكُونُ مَعَ الشَّرِيكِ الْأَغْلَبِ، وَقَالَ الْفَلَاسِفَةُ الْإِرَادَةُ هِيَ الْعِلْمُ بِالنِّظَامِ الْأَكْمَلِ وَيُسَمُّونَهُ الْعِنَايَةَ الْأَزَلِيَّةَ قَالَ ابْنُ سِينَا الْعِنَايَةُ هِيَ إحَاطَةُ عِلْمِ الْأَوَّلِ تَعَالَى بِالْكُلِّ وَبِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْكُلُّ حَتَّى يَكُونَ عَلَى أَحْسَنِ النِّظَامِ اهـ.

وَمِنْ هَهُنَا شَنَّعَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ بِأَنَّهُ مَيْلٌ لِكَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ وَانْتَصَرَ لَهُ آخَرُونَ فَقِيلَ مَدْسُوسٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ بِالنَّظَرِ لِتَعَلُّقِ عِلْمٍ بِمَا كَانَ فَلَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَسَعُهُ عُقُولُنَا وَفِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ كَلَامٌ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّهُ مَا ثَمَّ لَنَا إلَّا رُتْبَتَانِ قِدَمٌ وَحُدُوثٌ فَالْحَقُّ تَعَالَى لَهُ رُتْبَةُ الْقِدَمِ وَالْمَخْلُوقُ لَهُ رُتْبَةُ الْحُدُوثِ فَلَوْ خَلَقَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا خَلَقَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ رُتْبَةِ الْحُدُوثِ فَلَا يُقَالُ هَلْ يَقْدِرُ الْحَقُّ تَعَالَى أَنْ يَخْلُقَ قَدِيمًا مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ سُؤَالٌ مُهْمَلٌ لِاسْتِحَالَتِهِ اهـ.

وَقِيلَ إنَّ مُعْظَمَ مَا فِي الْإِحْيَاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ كِتَابِ قُوتِ الْقُلُوبِ لِأَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ أَجْمَلَ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ مِنْ قَوْلِ أَبِي طَالِبٍ اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ اللَّهَ لَوْ جَعَلَ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِينَ عَلَى عِلْمِ أَعْلَمِهِمْ بِهِ وَعَقْلِ أَعْقَلِهِمْ عَنْهُ وَحِكْمَةِ أَحْكَمِهِمْ عِنْدَهُ ثُمَّ زَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلَائِقِ مِثْلَ عَدَدِ جَمِيعِهِمْ وَأَضْعَافِهِ عِلْمًا وَحِكْمَةً وَعَقْلًا ثُمَّ كَشَفَ لَهُمْ الْعَوَاقِبَ، وَأَطْلَعَهُمْ عَلَى السَّرَائِرِ وَأَعْلَمَهُمْ بَوَاطِنَ النِّعَمِ وَعَرَّفَهُمْ دَقَائِقَ الْعُقُوبَاتِ وَأَوْقَفَهُمْ عَلَى خَفَايَا اللُّطْفِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ دَبِّرُوا الْمُلْكَ بِمَا أَعْطَيْتُكُمْ مِنْ الْعُلُومِ وَالْعُقُولِ عَنْ مُشَاهَدَتِكُمْ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ ثُمَّ أَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقَوَّاهُمْ لَهُ لَمَا زَادَ تَدْبِيرُهُمْ عَلَى مَا نَرَاهُ مِنْ تَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَا أَوْجَبَتْ الْعُقُولُ وَالْمُكَاشَفَاتُ وَلَا الْعُلُومُ وَالْمُشَاهَدَاتُ غَيْرَ هَذَا التَّدْبِيرِ، وَلَا قَضَتْ بِغَيْرِ هَذَا التَّقْدِيرِ الَّذِي نُعَانِيهِ وَنَتَقَلَّبُ فِيهِ وَلَكِنْ لَا يُبْصِرُونَ وَمَا يَعْقِلُهَا إلَّا الْعَالِمُونَ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا) التَّنْزِيهُ قَدْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّنْزِيهُ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ هُنَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّنْزِيهُ؛ لِأَنَّ أَضْدَادَهَا كَالْعَجْزِ وَنَحْوِهِ نَقْصٌ.

(قَوْلُهُ: مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ) هُمَا صِفَتَانِ أَزَلِيَّتَانِ زَائِدَتَانِ عَلَى الْعِلْمِ وَخَالَفَ الْكَعْبِيُّ مَعَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَالُوا إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ يَرْجِعَانِ لِلْعِلْمِ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِكُلِّ مَوْجُودٍ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا قَدِيمًا بِذَاتِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَتَنْجِيزِيًّا حَادِثًا، وَهُوَ تَعَلُّقُهُمَا بِالْحَوَادِثِ بَعْدَ وُجُودِهَا، وَلَيْسَ لَهُمَا تَعَلُّقٌ صَلَاحِيٌّ وَاخْتِصَاصُ سَمْعِنَا بِالْمَسْمُوعَاتِ وَبَصَرِنَا بِالْمُبْصَرَاتِ عَادِيٌّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْرِقَ اللَّهُ الْعَادَةَ وَيَتَعَلَّقَ سَمْعُنَا وَبَصَرُنَا بِكُلِّ مَوْجُودٍ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ عَقِيبَ صَرْفِ الْبَاصِرَةِ إدْرَاكَ الْأَصْوَاتِ مَثَلًا، وَتَعَلُّقُهُمَا بِكُلِّ مَوْجُودٍ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ السَّنُوسِيُّ وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ فُضَلَاءِ الْمَغَارِبَةِ وَهُوَ سَيِّدِي عُمَرُ الْمَغِيلِيُّ وَقَالَ إنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْمَعْدُومِ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا نَحْوَ الْكُرَّاسَتَيْنِ يَرُدُّ بِهِ عَلَى السَّنُوسِيِّ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>