يَزِيدُ الِانْكِشَافُ بِهِمَا عَلَى الِانْكِشَافِ بِالْعِلْمِ.
(وَكَلَامٍ) وَهُوَ صِفَةٌ
ــ
[حاشية العطار]
الشَّاوِيُّ وَلَا يَنْهَضُ رَدًّا وَأَمَّا قَوْلُ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ مِفْتَاحِ الْفَلَاحِ إنَّ اللَّهَ سَمِعَ وَأَبْصَرَ فِي أَزَلِهِ ذَوَاتَ الْعَالَمِ حَاضِرَةً مَوْجُودَةً لَمْ يَغِبْ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ فَقَدْ سَمِعَ فِي أَزَلِهِ الْعَالَمَ بِمَا فِيهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ. قَالَ وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا غَوْرٌ بَعِيدُ الْعُقْرِ لَا يُدْرِك مُنْتَهَاهُ إلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ اهـ.
فَلَهُ تَأْوِيلٌ (قَوْلُهُ: يَزِيدُ الِانْكِشَافُ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ حَقِيقَةَ الِانْكِشَافِ بِهَا غَيْرُ حَقِيقَةِ الِانْكِشَافِ بِالْعِلْمِ، وَإِلَّا فَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يُعْهَدُ فِي الشَّاهِدِ مِنْ أَنَّ الْبَصَرَ يُفِيدُ بِالْمُشَاهَدَةِ وُضُوحًا فَوْقَ الْعِلْمِ فَإِنَّ جَمِيعَ صِفَاتِهِ تَعَالَى تَامَّةٌ كَامِلَةٌ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهَا مَا كَانَ مِنْ سِمَاتِ الْحَوَادِثِ مِنْ الْخَفَاءِ وَالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمُتَعَلِّقُ وَكَانَتْ الْجِهَةُ مُتَّحِدَةً بِالنَّوْعِ كَالِانْكِشَافِ فِي الْعِلْمِ وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ مَعَ جَزْمِنَا بِالْمُغَايَرَةِ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ صِفَةً) أَيْ قَدِيمَةً قَائِمَةً بِذَاتِهِ تَعَالَى مُنَزَّهَةً عَنْ الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي إنْكَارِهَا وَلِلْكَرَامِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهَا مُؤَلَّفَةٌ مِنْ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ الْحَادِثَةِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَلِلْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهَا حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةٌ بَلْ تَغَالَى الْبَعْضُ مِنْهُمْ وَقَالَ بِقَدَمِ الْجِلْدِ وَالْغِلَافِ، وَمَنْشَأُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ هُنَا قِيَاسَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ وَهُمَا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةٌ لَهُ وَكُلُّ مَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ فَهُوَ قَدِيمٌ. كَلَامُ اللَّهِ مُؤَلَّفٌ مِنْ حُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَادِثٌ فَمَنَعَ كُلُّ طَائِفَةٍ بَعْضَ الْمُقَدِّمَاتِ فَالْحَنَابِلَةُ مَنَعُوا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مُؤَلَّفٌ مِنْ حُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ فَهُوَ حَادِثٌ، وَالْمُعْتَزِلَةُ مَنَعُوا أَنَّ الْمُؤَلَّفَ مِنْ الْأَصْوَاتِ صِفَةُ اللَّهِ وَمَنَعَ الْكَرَّامِيَّةُ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ فَهُوَ قَدِيمٌ ثُمَّ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي حُدُوثِ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ إنَّمَا نِزَاعُهُمْ فِي إثْبَاتِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَعَدَمِهِ، وَحَقَّقَ الْمَوْلَى الْعَضُدُ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّيْخِ أَنَّ الْأَلْفَاظَ أَيْضًا قَدِيمَةٌ، وَأَفْرَدَ فِي ذَلِكَ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً وَمَا زَالَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا سِيَّمَا مَا وَقَعَ لِأَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ فِي زَمَنِ الْمَأْمُونِ وَالْمُعْتَصِمِ مِمَّا هُوَ مَسْطُورٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ التَّوَارِيخِ وَارْتَفَعَتْ الْفِتْنَةُ فِي زَمَنِ الْوَاثِقِ بِسَبَبِ أَنَّ شَيْخَنَا تَنَاظَرَ مَعَ الْقَاضِي أَحْمَدَ بْنِ أَبِي دُؤَادٍ قَالَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ الشَّيْخُ الْمَسْأَلَةُ لِي قَالَ سَلْ قَالَ مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ هُوَ مَخْلُوقٌ قَالَ الشَّيْخُ هَذَا شَيْءٌ عَلِمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ؟ فَقَالَ لَمْ يَعْلَمُوهُ فَقَالَ الشَّيْخُ: سُبْحَانَ اللَّهِ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ تَعْلَمُهُ أَنْتَ يَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ فَخَجِلَ ثُمَّ قَالَ أَقِلْنِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا قَالَ قَدْ فَعَلْت قَالَ عَلِمُوهُ وَلَمْ يَدْعُوا النَّاسَ إلَيْهِ وَلَا أَظْهَرُوهُ لَهُمْ فَقَالَ أَلَا وَسِعَك وَوَسِعَنَا مَا وَسِعَهُمْ مِنْ السُّكُوتِ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْوَاثِقُ دَخَلَ الْخَلْوَةَ وَاسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ، وَجَعَلَ يُكَرِّرُ الْإِلْزَامَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ وَيُرْوَى أَنَّهُ جَعَلَ ثَوْبَهُ فِي فِيهِ مِنْ الضَّحِكِ عَلَى ابْنِ أَبِي دُؤَادٍ وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ ثُمَّ أَمَرَ الْحَاجِبَ أَنْ يُطْلِقَ الشَّيْخَ وَيُعْطِيَهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَسْأَلَةُ الْكَلَامُ مِمَّا كَثُرَ فِيهَا النِّزَاعُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ حَتَّى قِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ عِلْمُ التَّوْحِيدِ بِالْكَلَامِ.
لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَغْمَضُ مَبَاحِثِهِ وَأَشْهَرُهَا وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ فِيهَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الَّتِي نَتْلُوهَا وَنَتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهَا حَادِثَةٌ، وَالْقَوْلُ بِقِدَمِهَا سَفْسَطَةٌ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ تَحَاشَوْا عَنْ الْقَوْلِ بِحُدُوثِهَا فَمَنَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يُقَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ حَادِثٌ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ بِمَا أَوْهَمَ وَقَدْ يُلْبِسُ بِهِ الْمُبْتَدِعُ وَمَعْنَى كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَأْلِيفِ الْبَشَرِ بَلْ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلَ بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ خِلَافًا لِمَا قِيلَ أَنَّ جِبْرِيلَ يُلْهَمُ الْمَعْنَى وَيُعَبِّرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَلِمَنْ قَالَ يُلْقِي الْمَعْنَى فِي قَلْبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي يُعَبِّرُ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ دَالَّةٌ عَلَى الصِّفَةِ النَّفْسِيَّةِ الْقَدِيمَةِ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ مَدْلُولَ اللَّفْظِيِّ أَنَّهُ مَدْلُولُهُ اللُّغَوِيُّ الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْعِبَارَاتِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ وَكَيْفَ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِذَاتِهِ تَعَالَى بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ غَرَضُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ تَغَيُّرِ الْعِبَارَاتِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ وَهُوَ الْأَصْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute