للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبَّرَ عَنْهَا بِالنَّظْمِ الْمَعْرُوفِ الْمُسَمَّى بِكَلَامِ اللَّهِ أَيْضًا وَيُسَمَّيَانِ بِالْقُرْآنِ أَيْضًا.

(وَبَقَاءٍ) وَهُوَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ.

أَمَّا صِفَاتُ الْأَفْعَالِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْأَمَانَةِ فَلَيْسَتْ أَزَلِيَّةً خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ بَلْ هِيَ حَادِثَةٌ أَيْ مُتَجَدِّدَةٌ؛ لِأَنَّهَا إضَافَاتٌ تَعْرِضُ لِلْقُدْرَةِ وَهِيَ تَعَلُّقَاتُهَا بِوُجُودَاتِ الْمَقْدُورَاتِ لِأَوْقَاتِ وُجُودَاتِهَا وَلَا مَحْذُورَ فِي اتِّصَافِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ بِالْإِضَافَاتِ كَكَوْنِهِ قَبْلَ الْعَالَمِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ وَأَزَلِيَّةِ أَسْمَائِهِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِفَاتِ الْأَفْعَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جُمْلَةِ الْأَسْمَاءِ مِنْ حَيْثُ رُجُوعُهَا إلَى الْقُدْرَةِ لَا الْفِعْلِ فَالْخَالِقُ مَثَلًا مِنْ شَأْنِهِ الْخَلْقُ أَيْ هُوَ الَّذِي بِالصِّفَةِ الَّتِي بِهَا يَصِحُّ الْخَلْقُ وَهِيَ الْقُدْرَةُ كَمَا يُقَالُ فِي الْمَاءِ فِي الْكُوزِ مُرْوٍ أَيْ هُوَ

ــ

[حاشية العطار]

بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَلْفَاظِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْمَعَانِي الثَّانَوِيَّةِ فِي الِاصْطِلَاحَاتِ انْتَهَى فَالدَّالُّ حَادِثٌ وَالْمَدْلُولُ قَدِيمٌ وَهَذَا الْمَدْلُولُ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ الْمَقْرُوءُ قَدِيمٌ وَالْقِرَاءَةُ حَادِثَةٌ.

وَفَهِمَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَدْلُولُ الْوَضْعِيُّ فَقَالَ إنَّ بَعْضَ الْمَدْلُولِ قَدِيمٌ وَبَعْضَهُ حَادِثٌ إلَى آخِرِ مَا قَالَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الدَّلَالَةَ عَقْلِيَّةٌ كَمَا سَمِعْت. (قَوْلُهُ: عَبَّرَ عَنْهَا إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّلَالَةَ وَضْعِيَّةٌ كَمَا فَهِمَهُ الْقَرَافِيُّ فَإِنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ هِيَ الْمَدْلُولَاتُ اللُّغَوِيَّةُ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ بِأَنَّ الْمَعْنَى عَبَّرَ مِنْ أَجْلِهَا أَيْ أَنَّهَا مَنْشَأُ التَّعْبِيرِ وَمَبْدَؤُهُ وَفِي حَاشِيَةِ الشَّاوِيِّ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْمَتْلُوَّ النَّظَرُ فِي مَدْلُولِهِ بِحَيْثِيَّتَيْنِ فَبِحَيْثِيَّةِ مَدْلُولِهِ الَّذِي بِهِ حَصَلَتْ لَهُ التَّسْمِيَةُ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ تَعَالَى يُقَالُ مَدْلُولُ هَذَا الْقُرْآنِ قَدِيمٌ بِلَا تَفْصِيلٍ إذْ مَدْلُولُهُ هُوَ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ وَهُوَ قَدِيمٌ وَبِحَيْثِيَّةِ مَدْلُولِ مُفْرَدَاتِهِ وَتَرَاكِيبِهِ مِنْ حَيْثُ الِاقْتِضَاءَاتُ الْعَرَبِيَّةُ فَهَذَا يُقَالُ إنَّ مَدْلُولَهُ قَدِيمٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَمَدْلُولُ سَمِيعٍ وَعَلِيمٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَحَادِثٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَاحَظَهَا الْقَرَافِيُّ حَتَّى جَعَلَ الْقُرْآنَ مِنْهُ قَدِيمٌ وَمِنْهُ حَادِثٌ وَلَوْ رَاعَى أَنَّ مَدْلُولَهُ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ لَمْ يُمْكِنْهُ مَا قَالَ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِذَاتِهِ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا النَّظْمُ مِنْ حُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ فَكُلُّ الْمَعَانِي الْمَفْهُومَةِ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ هِيَ مَفْهُومَةٌ مِنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ وَالْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ هُوَ مَدْلُولُ هَذِهِ الْحُرُوفِ أَيْضًا فَالْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ دَالٌّ عَلَى مَدْلُولَاتِهِ وَمَدْلُولٌ لِلْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ وَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُ الشَّيْءِ مَدْلُولًا لِشَيْءٍ دَالًّا عَلَى غَيْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ اهـ.

(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَوَّلُ مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ أَحَدُ أَصْحَابِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بَدَّعَهُ وَهَجَرَهُ ثُمَّ قَالَ بِذَلِكَ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ إمَامُ الظَّاهِرِيَّةِ يَوْمَئِذٍ بِنَيْسَابُورَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَبَلَغَ ذَلِكَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ فَلَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّجَارُؤُ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّكَلُّمُ بِهِ إلَّا فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ) ظَاهِرُهُ الْمُرُورُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ أَنَّ الْبَقَاءَ صِفَةٌ مَعْنًى، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَطْلَقَ الِاسْتِمْرَارَ، وَأَرَادَ لَازِمَهُ الَّذِي هُوَ سَلْبُ الْعَدَمِ اللَّاحِقِ وَقَدْ عَبَّرَ بِالِاسْتِمْرَارِ الْمُقْتَرَحِ وَقَالَ لَيْسَ الْمُرَادُ نِسْبَةً زَمَانِيَّةً بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ عَدَمٌ اهـ.

وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ هُوَ وَالْقِدَمُ صِفَتَانِ سَلْبِيَّتَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا حَادِثٌ فَالْحَادِثُ مَا لَهُ أَوَّلٌ وَهُوَ مَا سَبَقَ عَدَمُهُ وُجُودَهُ وَالْقَدِيمُ مَا لَا أَوَّلَ لَهُ وَهُوَ سَلْبُ مَا وَجَبَ لِلْحَادِثِ فَالْقِدَمُ إذَنْ نَفْيُ الْأَوَّلِيَّةِ وَنَفْيُ الْأَوَّلِيَّةِ سَلْبٌ مَحْضٌ وَالْبَقَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ دَوَامِ الْوُجُودِ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِي مَعَهُ الْعَدَمُ اللَّاحِقُ.

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) أَيْ فِي جَعْلِهَا أَزَلِيَّةً وَإِرْجَاعِهَا إلَى صِفَةِ التَّكْوِينِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مُتَجَدِّدَةً) أَيْ فِي الذِّهْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الِاعْتِبَارِيَّةَ لَا وُجُودَ لَهَا إلَّا فِي الذِّهْنِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الصُّغْرَى، وَأَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْحُدُوثِ عَلَيْهَا تَسَمُّحًا (قَوْلُهُ: وَأَزَلِيَّةُ أَسْمَائِهِ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ رُجُوعُهَا إلَخْ وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا دَفْعُ اعْتِرَاضٍ وَرَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَزَلْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي جُمْلَةِ الْأَسْمَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ رُجُوعُهَا إلَخْ) الِاسْمُ الْمُشْتَقُّ مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>