للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالصِّفَةِ الَّتِي بِهَا يَحْصُلُ الْإِرْوَاءُ عِنْدَ مُصَادَفَةِ الْبَاطِنِ وَفِي السَّيْفِ فِي الْغِمْدِ قَاطِعٌ أَيْ هُوَ بِالصِّفَةِ الَّتِي بِهَا يَحْصُلُ الْقَطْعُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْمَحَلِّ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْخَالِقِ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْخَلْقُ فَلَيْسَ صُدُورُهُ أَزَلِيًّا ذَكَرَ ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ، وَبَيَّنَ رُجُوعَ الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا إلَى الذَّاتِ وَصِفَاتِهَا فِي الْمَقْصِدِ الْأَسْنَيْ.

(وَمَا صَحَّ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ الصِّفَاتِ نَعْتَقِدُ ظَاهِرَ الْمَعْنَى) مِنْهُ (وَنُنَزِّهُهُ عِنْدَ سَمَاعِ الْمُشْكِلِ) مِنْهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: ٢٧] {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: ٣٩] {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: ١٠] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ» «إنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مُغْرِبِهَا» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

(ثُمَّ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا أَنُؤَوِّلُ) الْمُشْكِلَ (أَمْ نُفَوِّضُ) مَعْنَاهُ الْمُرَادَ إلَيْهِ تَعَالَى (مُنَزِّهِينَ) لَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ (مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ جَهْلَنَا بِتَفْصِيلِهِ لَا يَقْدَحُ) فِي اعْتِقَادِنَا الْمُرَادَ مِنْهُ مُجْمَلًا، وَالتَّفْوِيضُ مَذْهَبُ السَّلَفِ وَهُوَ أَسْلَمُ، وَالتَّأْوِيلُ مَذْهَبُ الْخَلَفِ وَهُوَ أَعْلَمُ أَيْ أَحْوَجُ إلَى مَزِيدِ عِلْمٍ فَيُؤَوَّلُ فِي الْآيَاتِ الِاسْتِوَاءُ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَالْوَجْهُ بِالذَّاتِ وَالْعَيْنُ بِالْبَصَرِ وَالْيَدُ بِالْقُدْرَةِ وَالْحَدِيثَانِ

ــ

[حاشية العطار]

إلَى الْقُدْرَةِ مَجَازٌ قَطْعًا إذْ إطْلَاقُهُ حِينَئِذٍ مِنْ إطْلَاقِ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ اهـ. نَاصِرٌ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ أُرِيدَ الْخَالِقُ إلَخْ) هَذَا عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ لَفْظِيٌّ وَالْحَقُّ أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَقْصِدِ الْأَسْنَيْ) فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى.

(قَوْلُهُ: وَمَا صَحَّ) أَيْ ثَبَتَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ:

صَحَّ عِنْدَ النَّاسِ أَنِّي عَاشِقٌ ... غَيْرَ أَنْ لَمْ يَعْرِفُوا عِشْقِي لِمَنْ

وَإِلَّا فَكُلُّ مَا فِي الْكِتَابِ صَحِيحٌ بِخِلَافِ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِي كُتُبِهَا أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْهُ) قَدَّرَهُ لِأَجْلِ صِحَّةِ الرَّبْطِ فَهُوَ مِثْلُ السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ (قَوْلُهُ: وَنُنَزِّهُهُ عِنْدَ سَمَاعِ الْمُشْكِلِ) مُخَصِّصٌ لِمَا قَبْلَهُ أَيْ نَعْتَقِدُ ظَاهِرَ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا فَنُنَزِّهُهُ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا) أَيْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَقَوْلُهُ أَنُؤَوِّلُ أَيْ يَجُوزُ أَنْ نُؤَوِّلَ أَوْ نُفَوِّضَ (قَوْلُهُ: مُنَزِّهِينَ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ نُفَوِّضُ وَفِيهِ أَنَّ التَّنْزِيهَ عَنْ ظَاهِرِهِ تَأْوِيلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ إلَى التَّأْوِيلِ مُجْمَلًا (قَوْلُهُ: مَذْهَبُ السَّلَفِ) وَهُمْ أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَمَا بَعْدَهَا هُمْ الْخَلَفُ وَقِيلَ الْخَلَفُ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَحْوَجُ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْخَلَفَ أَعْلَمُ مِنْ السَّلَفِ (قَوْلُهُ: بِالِاسْتِيلَاءِ) كَمَا فِي قَوْلِهِ:

قَدْ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مِهْرَاقِ

وَفِي آخِرِ حُكْمِ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ يَا مَنْ اسْتَوَى بِرَحْمَانِيَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ فَصَارَ الْعَرْشُ غَيْبًا فِي رَحْمَانِيَّتِهِ كَمَا صَارَتْ الْعَوَالِمُ غَيْبًا فِي عَرْشِهِ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ الرَّحْمَنُ اسْتَوَى بِرَحْمَانِيَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْعَرْشَ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا وَهِيَ مُغَيَّبَةٌ فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: ٢٥٥] هُوَ صَغِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَيَغِيبُ فِيهَا كَمَا تَغِيبُ الْعَوَالِمُ فِيهِ إشَارَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦] وَيُمْكِنُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى اللَّطِيفَ هُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ أَنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي» فَيُمْكِنُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْكِتَابِ وَلَوْ قِيلَ الْقَهَّارُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَذَابَ الْعَرْشُ وَمَا فِيهِ وَمِنْ الْمُتَشَابِهِ حَدِيثُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْت بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ أَوْ كَمَا قَالَ فَيُؤَوَّلُ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَتَانِي إحْسَانٌ مِنْ رَبِّي وَيُؤَوَّلُ وَضْعُ الْيَدِ بِتَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِإِنْزَالِ الْمَعَارِفِ بِالْقَلْبِ وَوُجُودُ بَرْدِ الْأَنَامِلِ بِعُمُومِ إشْرَاقِ تِلْكَ الْمَعَارِفِ فِي الصَّدْرِ بِأَرْجَائِهِ سَأَلَ الشَّعْرَانِيُّ شَيْخَهُ الْخَوَّاصَ لِمَاذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>