للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: ١٥] الْمُوَافِقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣]

(وَاخْتُلِفَ هَلْ تَجُوزُ الرُّؤْيَةُ) لَهُ تَعَالَى (فِي الدُّنْيَا) فِي الْيَقَظَةِ (وَفِي الْمَنَامِ) فَقِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ: لَا أَمَّا الْجَوَازُ فِي الْيَقَظَةِ؛ فَلِأَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَلَبَهَا حَيْثُ قَالَ {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣] وَهُوَ لَا يَجْهَلُ مَا يَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ عَلَى رَبِّهِ تَعَالَى وَالْمَنْعُ لِأَنَّ قَوْمَهُ طَلَبُوهَا فَعُوقِبُوا قَالَ تَعَالَى {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [النساء: ١٥٣] وَاعْتُرِضَ هَذَا بِأَنَّ عِقَابَهُمْ لِعِنَادِهِمْ وَتَعَنُّتِهِمْ فِي طَلَبِهَا لَا لِامْتِنَاعِهَا وَأَمَّا الْمَنْعُ فِي الْمَنَامِ؛ فَلِأَنَّ الْمَرْئِيَّ فِيهِ خَيَالٌ وَمِثَالٌ وَذَلِكَ عَلَى الْقَدِيمِ مُحَالٌ وَالْمُجِيزُ قَالَ لَا اسْتِحَالَةَ لِذَلِكَ فِي الْمَنَامِ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْوُقُوعِ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ فِي الْيَقَظَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] وَقَوْلُهُ لِمُوسَى {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ نَعَمْ اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي وُقُوعِهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ

ــ

[حاشية العطار]

الْكَشَّافِ:

لَجَمَاعَةٌ سَمُّوا هَوَاهُمْ سُنَّةً ... وَجَمَاعَةٌ حُمُرٌ لَعَمْرِي مُوكَفَهْ

قَدْ شَبَّهُوهُ بِخَلْقِهِ فَتَخَوَّفُوا ... شَنَعَ الْوَرَى فَتَسَتَّرُوا بِالْبَلْكَفَهْ

وَرَدَّ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمِنْ أَلْطَفِهَا قَوْلُ ابْنِ الْمُنِيرِ الْإِسْكَنْدَرِيِّ:

وَجَمَاعَةٌ كَفَرُوا بِرُؤْيَةِ رَبِّهِمْ ... هَذَا لَوَعْدُ اللَّهِ مَا لَنْ يُخْلِفَهْ

وَتَلَقَّبُوا النَّاجِينَ كَلَا إنَّهُمْ ... إنْ لَمْ يَكُونُوا فِي لَظًى فَعَلَى شَفَهْ

وَقَوْلُ أَبِي حَيَّانَ:

شَبَّهْتَ جَهْلًا صَدْرَ أُمَّةِ أَحْمَدَ ... وَذَوِي الْبَصَائِرِ بِالْحَمِيرِ الْمُوكَفَهْ

وَجَبَ الْخَسَارُ عَلَيْك فَانْظُرْ مُنْصِفًا ... فِي آيَةِ الْأَعْرَافِ فَهْيَ الْمُنْصِفَهْ

أَتَرَى الْكَلِيمَ أَتَى بِجَهْلٍ مَا أَتَى ... وَأَتَى شُيُوخُك مَا أَتَوْا عَنْ مَعْرِفَهْ

إنَّ الْوُجُوهَ إلَيْهِ نَاظِرَةٌ بِذَا ... جَاءَ الْكِتَابُ فَقُلْتُمُو هَذَا سَفَهْ

نَطَقَ الْكِتَابُ وَأَنْتَ تَنْطِقُ بِالْهَوَى ... فَهَوَى بِكَ فِي الْمَهَاوِي الْمُتْلِفَهْ

وَلَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذَا أَلْطَفُ الرُّدُودِ وَآمَنُهَا لَسَلِمَ لَهُ فَالِاشْتِغَالُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ كَالتَّشَفِّي بِالْقَتِيلِ بَعْدَ قَتْلِهِ:

مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إيلَامُ

وَالْمُرَادُ بِآيَةِ الْأَعْرَافِ هِيَ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣] فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُمْتَنِعَةً لَكَانَ طَلَبُهَا جَهْلًا أَوْ سَفَهًا وَعَبَثًا وَطَلَبًا لِلْمُحَالِ وَالْأَنْبِيَاءُ مُنَزَّهُونَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الرُّؤْيَةَ بِاسْتِقْرَارِ الْجَبَلِ وَهُوَ أَمْرٌ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ وَالْمُعَلَّقُ بِالْمُمْكِنِ مُمْكِنٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِثُبُوتِ الْمُعَلَّقِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمُعَلَّقِ بِهِ وَالْمُحَالُ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ التَّقَادِيرِ الْمُمْكِنَةِ قَوْلُهُ: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ} [المطففين: ١٥] الْآيَةَ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى وُقُوعِ الرُّؤْيَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا فَإِنَّهُمْ خُصُّوا بِكَوْنِهِمْ مَحْجُوبِينَ فَيَكُونُ الْمُؤْمِنُونَ غَيْرَ مَحْجُوبِينَ وَهُوَ مَعْنَى الرُّؤْيَةِ وَالْحَمْلُ عَلَى كَوْنِهِمْ مَحْجُوبِينَ عَنْ ثَوَابِهِ وَكَرَامَتِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ

(قَوْلُهُ: لِعِنَادِهِمْ) أَوْ لِعَدَمِ تَأَهُّلِهِمْ لَهَا (قَوْلُهُ: لَا اسْتِحَالَةَ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْخَيَالِ وَالْمِثَالِ فِي الْمَنَامِ لِأَنَّ الْمُسْتَحِيلَ التَّمْثِيلُ فِي الْوَاقِعِ وَالرُّؤْيَةُ الْمَنَامِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّمْثِيلِ وَالتَّخَيُّلِ فَيَرَى فِيهِ مَنْ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَصُورَةٍ ذَا جِسْمٍ وَصُورَةٍ وَتُرَى الْمَعَانِي عَلَى صُورَةِ الْأَجْسَامِ كَالْعِلْمِ عَلَى صُورَةِ اللَّبَنِ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمَضْنُونِ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ: الْحَقُّ أَنَّا نُطْلِقُ الْقَوْلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرَى فِي الْمَنَامِ كَمَا نُطْلِقُ الْقَوْلَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَى، وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ يَفْهَمُ مَعْنَى رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَعَلَّ الْعَالِمَ الَّذِي طَبْعُهُ قَرِيبٌ مِنْ طَبْعِ الْعَوَامّ يَفْهَمُ أَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَى حَقِيقَةَ شَخْصِهِ الْمُودَعِ فِي رَوْضَةِ الْمَدِينَةِ بِأَنْ شَقَّ الْقَبْرَ وَخَرَجَ مُرْتَحِلًا إلَى مَوْضِعِ الرُّؤْيَةِ وَلَا شَكَّ فِي جَهْلِ مَنْ يَتَوَهَّمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ يُرَى أَلْفَ مَرَّةٍ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي أَلْفِ مَوْضِعٍ بِأَشْخَاصٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي مَكَانَيْنِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ شَخْصٌ وَاحِدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>