الْمِعْرَاجِ وَالصَّحِيحُ نَعَمْ وَإِلَيْهِ اسْتَنَدَ الْقَائِلُ بِالْوُقُوعِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ رَأَيْت رَبَّك قَالَ رَأَيْت نُورًا» وَفِي رِوَايَةٍ «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» ؟ ، بِتَشْدِيدِ نُونِ أَنَّى وَضَمِيرُ أَرَاهُ لِلَّهِ أَيْ حَجَبَنِي النُّورُ الْمُغَشِّي لِلْبَصَرِ عَنْ رُؤْيَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ وُقُوعَهَا فِي الْمَنَامِ الْكَثِيرُ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
ــ
[حاشية العطار]
فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِصُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ شَيْخٍ وَشَابٍّ طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ إلَخْ وَيُرَى عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَمَنْ انْتَهَى حُمْقُهُ إلَى هَذَا الْحَالِ فَقَدْ انْخَلَعَ عَنْ رِبْقَةِ الْعَقْلِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَاطَبَ ثُمَّ حُقِّقَ أَنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالٌ صَارَ وَاسِطَةً بَيْنَهُ، وَبَيْنَهُ فِي تَعْرِيفِهِ فَكَمَا أَنَّ جَوْهَرَ النُّبُوَّةِ أَعْنِي الرُّوحَ الْمُقَدَّسَةَ الْبَاقِيَةَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وَفَاتِهِ مُنَزَّهَةٌ عَنْ اللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَالصُّورَةِ لَكِنَّ الْعَبْدَ يَعْرِفُ ذَاتَهُ بِوَاسِطَةِ مِثَالٍ مَحْسُوسٍ مِنْ نُورٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصُّوَرِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مِثَالًا لِلْجَمَالِ الْحَقِيقِيِّ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي لَا صُورَةَ لَهُ وَلَا لَوْنَ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمِثَالُ صَادِقًا حَقًّا وَوَاسِطَةً فِي التَّعْرِيفِ فَيَقُولُ الرَّائِي رَأَيْت فِي الْمَنَامِ لَا بِمَعْنَى رَأَيْت ذَاتَهُ كَمَا يَقُولُ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بِمَعْنَى أَنِّي رَأَيْت ذَاتَ رُوحِهِ أَوْ ذَاتَ شَخْصِهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ رَأَى مِثَالَهُ فَإِنْ قِيلَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ مِثْلٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا مِثْلَ لَهُ قُلْنَا هَذَا جَهْلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْمِثَالِ وَلَيْسَ الْمِثَالُ عِبَارَةً عَنْ الْمِثْلِ إذْ الْمِثْلُ الْمُسَاوِي فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَالْمِثَالُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُسَاوَاةِ فَإِنَّ الْعَقْلَ مَعْنًى لَا يُمَاثِلُهُ غَيْرُهُ مُمَاثَلَةً حَقِيقِيَّةً وَلَنَا أَنْ نَضْرِبَ الشَّمْسَ لَهُ مِثَالًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَحْسُوسَاتِ تَنْكَشِفُ بِنُورِ الشَّمْسِ كَمَا تَنْكَشِفُ الْمَعْقُولَاتُ بِالْعَقْلِ فَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ كَافٍ فِي الْمِثَالِ وَيُمَثَّلُ فِي النَّوْمِ السُّلْطَانُ بِالشَّمْسِ وَالْوَزِيرُ بِالْقَمَرِ وَالسُّلْطَانُ لَا يُمَاثِلُ الشَّمْسَ بِصُورَتِهِ وَلَا بِمَعْنَاهُ وَلَا الْوَزِيرُ يُمَاثِلُ الْقَمَرَ إلَّا أَنَّ السُّلْطَانَ لَهُ اسْتِعْلَاءٌ عَلَى الْكُلِّ وَيَعُمُّ أَمْرُهُ الْجَمِيعَ وَالشَّمْسُ تُنَاسِبُهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ وَالْقَمَرُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْأَرْضِ فِي إفَاضَةِ النُّورِ كَمَا أَنَّ الْوَزِيرَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ السُّلْطَانِ وَالرَّعِيَّةِ فِي إفَاضَةِ نُورِ الْعَدْلِ فَهَذَا مِثَالٌ وَلَيْسَ بِمِثْلٍ وَقَالَ اللَّهُ {نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: ٣٥] الْآيَةَ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ نُورِهِ وَبَيْنَ الزُّجَاجَةِ وَالْمِشْكَاةِ وَعَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّبَنِ فِي الْمَنَامِ بِالْإِسْلَامِ، وَالْحَبْلِ بِالْقُرْآنِ وَأَيُّ مُمَاثَلَةٍ بَيْنَ اللَّبَنِ وَالْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْحَبْلِ وَالْقُرْآنِ إلَّا فِي مُنَاسَبَةٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَبْلَ يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي النَّجَاةِ وَاللَّبَنَ غِذَاءُ الْحَيَاةِ الظَّاهِرَةِ وَالْإِسْلَامَ غِذَاءُ الْحَيَاةِ الْبَاطِنَةِ فَهَذِهِ كُلُّهَا مِثَالٌ وَلَيْسَتْ بِمِثْلٍ.
فَذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُرَيَانِ فِي الْمَنَامِ. وَإِنَّ مِثَالًا يَعْتَقِدُهُ النَّائِمُ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَذَاتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجُوزُ أَنْ يُرَى وَكَيْفَ يُنْكَرُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِهِ فِي الْمَنَامَاتِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ تَوَاتَرَ إلَيْهِ مِنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ اهـ. بِتَصَرُّفٍ وَقَدْ اتَّفَقَ لِي تَأْلِيفُ رِسَالَةٍ أَشْبَعْت فِيهَا الْقَوْلَ فِي رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَامًا وَفِيهَا كَلَامٌ نَفِيسٌ غَيْرُ هَذَا ثُمَّ إنَّ اخْتِلَافَ رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ الرَّائِي فَهِيَ صِفَاتُ الرَّائِي ظَهَرَتْ لَهُ كَمَا تَظْهَرُ فِي الْمِرْآةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الرُّؤْيَةِ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِاحْتِمَالِ الْخَطَإِ فِي التَّحَمُّلِ وَعَدَمِ ضَبْطِ الرَّائِي (حُكِيَ) أَنَّ رَجُلًا رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ يَقُولُ إنَّ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ رِكَازًا اذْهَبْ فَخُذْهُ وَلَا خُمْسَ عَلَيْك فَذَهَبَ فَوَجَدَهُ فَاسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَخْرِجْ الْخُمْسَ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ وَقُصَارَى رُؤْيَتِك الْآحَادُ (قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ نَعَمْ) هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
وَأُجِيبَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي عَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صَرَاحَتِهَا فَأَبُو ذَرٍّ نَافٍ وَغَيْرُهُ مُثْبِتٌ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي إنْ قُلْت رُؤْيَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ فِي السَّمَاءِ وَالدُّنْيَا اسْمٌ لِمَا فِي جَوْفِ فَلَكِ الْقَمَرِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَآهُ فِي زَمَنِ وُجُودِ الدُّنْيَا لَا فِي مَكَانِهَا وَالْآخِرَةُ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ النَّفْخَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ وَهُمَا فِي مَحَلِّهِمَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ حُوِّلَا لِقَلْبِهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ حَجَبَنِي النُّورُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُورٌ فَاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ حَجَبَنِي نُورٌ قَوْلُهُ أَنَّى أَرَاهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ بِمَعْنَى كَيْفَ (قَوْلُهُ: مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ) رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت رَبَّ الْعِزَّةِ فِي الْمَنَامِ فَقُلْت يَا رَبِّ مَا أَفْضَلُ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute