للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى ذَلِكَ الْمُعَبِّرُونَ لِلرُّؤْيَا وَبَالَغَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي إنْكَارِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَنْعِ

(السَّعِيدُ مَنْ كَتَبَهُ) أَيْ اللَّهُ (فِي الْأَزَلِ سَعِيدًا) أَيْ لَا فِي غَيْرِهِ (وَالشَّقِيُّ عَكْسُهُ) أَيْ مَنْ كَتَبَهُ اللَّهُ فِي الْأَزَلِ شَقِيًّا لَا فِي غَيْرِهِ (ثُمَّ لَا يَتَبَدَّلَانِ) أَيْ الْمَكْتُوبَانِ فِي الْأَزَلِ بِخِلَافِ الْمَكْتُوبِ فِي غَيْرِهِ كَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَالَ تَعَالَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩] أَيْ أَصْلُهُ الَّذِي لَا يُغَيَّرُ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ «فَرَغَ رَبُّك مِنْ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» (وَمَنْ عَلِمَ) أَيْ اللَّهُ (مَوْتَهُ مُؤْمِنًا فَلَيْسَ بِشَقِيٍّ) بَلْ هُوَ سَعِيدٌ وَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ كُفْرٌ وَقَدْ غُفِرَ وَمَنْ عَلِمَ مَوْتَهُ كَافِرًا فَشَقِيٌّ وَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ إيمَانٌ وَقَدْ حَبِطَ وَفِي قَوْلٍ لِلْأَشْعَرِيِّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إيمَانًا فَالسَّعَادَةُ الْمَوْتُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالشَّقَاوَةُ الْمَوْتُ عَلَى الْكُفْرِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْأُولَى الْخُلُودُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ الْخُلُودُ فِي النَّارِ قَالَ تَعَالَى {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} [هود: ١٠٨] وَقَالَ {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ - خَالِدِينَ فِيهَا} [هود: ١٠٦ - ١٠٧] (وَأَبُو بَكْرٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (مَا زَالَ بِعَيْنِ الرِّضَا) مِنْهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالْإِيمَانِ قَبْلَ تَصْدِيقِهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ حَالَةُ كُفْرٍ كَمَا ثَبَتَ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ آمَنَ

(وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةُ) مِنْ اللَّهِ (غَيْرُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ) مِنْهُ فَإِنَّ مَعْنَى الْأَوَّلَيْنِ الْمُتَرَادِفَيْنِ أَخَصُّ مِنْ مَعْنَى الثَّانِيَيْنِ الْمُتَرَادِفَيْنِ إذْ الرِّضَا الْإِرَادَةُ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ وَالْأَخَصُّ غَيْرُ الْأَعَمِّ (فَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) مَعَ وُقُوعِهِ مِنْ بَعْضِهِمْ بِمَشِيئَتِهِ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: ١١٢] وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةُ نَفْسُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ

(هُوَ الرَّزَّاقُ) كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [الذاريات: ٥٨] أَيْ فَلَا رَازِقَ غَيْرُهُ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ مَنْ حَصَلَ لَهُ الرِّزْقُ بِتَعَبٍ فَهُوَ الرَّازِقُ لِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ تَعَبٍ فَاَللَّهُ هُوَ الرَّازِقُ لَهُ (وَالرِّزْقُ) بِمَعْنَى الْمَرْزُوقِ

ــ

[حاشية العطار]

يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُتَقَرِّبُونَ قَالَ كَلَامِي يَا أَحْمَدُ فَقُلْت يَا رَبِّ بِفَهْمٍ وَبِغَيْرِ فَهْمٍ قَالَ بِفَهْمٍ وَبِغَيْرِ فَهْمٍ وَرَآهُ أَحْمَدُ بْنُ حَضْرَوَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا أَحْمَدُ كُلُّ الْخَلْقِ يَطْلُبُونَ مِنِّي إلَّا أَبَا يَزِيدَ فَإِنَّهُ يَطْلُبُنِي (قَوْلُهُ: وَعَلَى ذَلِكَ الْمُعَبِّرُونَ) فَإِنَّهُمْ يَعْقِدُونَ فِي كُتُبِهِمْ بَابًا لِرُؤْيَةِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا

(قَوْلُهُ: لَا فِي غَيْرِهِ) أَخَذَهُ مِنْ مَفْهُومِ الظَّرْفِ أَعْنِي قَوْلَهُ فِي الْأَزَلِ لِأَنَّ الظَّرْفَ لَهُ مَفْهُومٌ (قَوْلُهُ: كَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ) أَشَارَ بِإِدْخَالِ الْكَافِ عَلَيْهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ مَا ذُكِرَ إذْ مِثْلُهُ الصُّحُفُ الَّتِي يَكْتُبُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِي الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. ثُمَّ تَطَرُّقُ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ إلَى اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أُمَّ الْكِتَابِ هُوَ عِلْمُ اللَّهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ أَمَّا عَلَى أَنَّ أُمَّ الْكِتَابِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ وَإِنَّمَا فِيهِ طِبْقُ مَا فِي الْعِلْمِ الْقَدِيمِ فَلَا مَحْوَ وَلَا إثْبَاتَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُمَا فِي صَحَائِفِ الْحَفَظَةِ.

(قَوْلُهُ: فَرَغَ رَبُّك) أَيْ قَضَى ذَلِكَ وَقَدَّرَهُ (قَوْلُهُ: وَمَنْ عَلِمَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ أَوْ حَذْفُهُ وَهَذَا هُوَ إيمَانُ الْمُوَافَاةِ (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ سَعِيدٌ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّعَادَةَ الْأَزَلِيَّةَ هِيَ الْمَوْتُ عَلَى الْإِيمَانِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ غُفِرَ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَقَعَتْ آخِرَ الْكَلَامِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ وَقَدْ حَبِطَ وَأَشَارَ بِهِمَا لِدَفْعِ مَا يُقَالُ إنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِيمَانِ أَوْ الْكُفْرِ لَيْسَ إيمَانًا وَلَا كُفْرًا أَيْ بَلْ هُوَ إيمَانٌ أَوْ كُفْرٌ وَلَكِنَّهُ غُفِرَ أَوْ حَبِطَ (قَوْلُهُ: خَالِدِينَ فِيهَا إلَخْ) سَقَطَ مِنْهُمْ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (قَوْلُهُ: وَأَبُو بَكْرٍ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ سَعِيدٌ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ السَّعِيدُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَا زَالَ بِعَيْنِ الرِّضَا) أَيْ قَرِيرًا بِهَا أَيْ مَسْرُورًا بِهَا (قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ حَالَةُ كُفْرٍ) أَيْ كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ وَنَحْوِهِ

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ) أَيْ عَلَى الْفِعْلِ الْمُرَادِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مَعَ إنْعَامٍ وَإِفْضَالٍ قَالَ النَّاصِرُ اعْتِبَارُ الْإِرَادَةِ فِي مَفْهُومِ الرِّضَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْإِيمَانَ مِنْ الْكَافِرِ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَفِيهِ لَا يَخْفَى فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ الرِّضَا عَدَمُ الِاعْتِرَاضِ كَمَا فِي الْمَوَاقِفِ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَخْ) قَالَ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْمٌ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ.

وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ قَوْلِهِ {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧] بِأَنَّهُ لَا يَرْضَاهُ دِينًا وَشَرْعًا بَلْ يُعَاقِبُ عَلَيْهِ وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادِ مَنْ وُفِّقَ لِلْإِيمَانِ وَلِهَذَا شَرَّفَهُمْ بِإِضَافَتِهِمْ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: ٦٥] وَقَوْلِهِ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: ٦] اهـ. زَكَرِيَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>