(مَا يُنْتَفَعُ بِهِ) فِي التَّغَذِّي وَغَيْرِهِ (وَلَوْ) كَانَ (حَرَامًا) بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ.
خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ لَا يَكُونُ إلَّا حَلَالًا لِاسْتِنَادِهِ إلَى اللَّهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْمُسْتَنِدُ إلَيْهِ لِانْتِفَاعِ عِبَادِهِ يَقْبُحُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ قُلْنَا لَا قُبْحَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَعِقَابُهُمْ عَلَى الْحَرَامِ لِسُوءِ مُبَاشَرَتِهِمْ أَسْبَابَهُ وَيَلْزَمُ الْمُعْتَزِلَةَ أَنَّ الْمُتَغَذِّيَ بِالْحَرَامِ فَقَطْ طُولَ عُمْرِهِ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ أَصْلًا وَهُوَ مُخَالِفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَتْرُكُ مَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ
(بِيَدِهِ) تَعَالَى (الْهِدَايَةُ وَالْإِضْلَالُ) وَهُمَا (خَلْقُ الضَّلَالِ) وَهُوَ الْكُفْرُ (وَ) خَلْقُ (الِاهْتِدَاءِ وَهُوَ الْإِيمَانُ) قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل: ٩٣] {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: ٣٩] وَزَعَمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهُمَا بِيَدِ الْعَبْدِ يَهْدِي نَفْسَهُ وَيُضِلُّهَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ
(وَالتَّوْفِيقُ خَلْقُ الْقُدْرَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى الطَّاعَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
ــ
[حاشية العطار]
(قَوْلُهُ: مَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَخْ) قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ الرِّزْقُ اسْمٌ لِمَا يَسُوقُهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْحَيَوَانِ فَيَأْكُلُهُ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ حَلَالًا وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ بِمَا يَتَغَذَّى بِهِ الْحَيَوَانُ لِخُلُوِّهِ عَنْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِ الرِّزْقِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) قَدْ فَسَّرُوا الرِّزْقَ تَارَةً بِمَمْلُوكٍ يَأْكُلُهُ الْمَالِكُ وَتَارَةً بِمَا لَا يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا حَلَالًا وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا تَأْكُلُهُ الدَّوَابُّ وَالْعَبِيدُ رِزْقًا وَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] وَعَلَى التَّعْرِيفَيْنِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) إنَّمَا قَالَ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الرِّزْقَ عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ مَا كَانَ بِتَعَبٍ فَهُوَ مِنْ الْعَبْدِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الْمُعْتَزِلَةَ إلَخْ) .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ سَاقَ إلَيْهِ كَثِيرًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ إلَّا أَنَّهُ أَعَرَضَ عَنْهُ بِسُوءِ اخْتِيَارِهِ عَلَى أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُلْ حَلَالًا وَلَا حَرَامًا قَالَهُ الْخَيَالِيُّ فَإِنْ أُجِيبَ بِمَنْعِ وُجُودِ مِثْلِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَإِنَّهُ قَدْ انْتَفَعَ بِدَمِ الْحَيْضِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُوَى الْحَيَوَانِيَّةِ فَكَذَا يُقَالُ فِي مَادَّةِ مَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ عَنْ وَالِدِهِ رَدًّا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الرِّزْقُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمَأْمُورِ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهُ بِحَرَامٍ يُنْتِجُ لَا شَيْءَ مِنْ الرِّزْقِ بِحَرَامٍ وَبَيَانُ الصُّغْرَى {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [يس: ٤٧] وَالْكُبْرَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ الْمُحَرَّمِ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِيَدِهِ الْهِدَايَةُ إلَخْ) أَيْ بِقُدْرَتِهِ أَيْ أَنَّهُ خَالِقٌ لَهُمَا لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ خَالِقٌ لِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ.
(قَوْلُهُ: خَلْقُ الْقُدْرَةِ) أَيْ عَلَى الطَّاعَةِ وَقَوْلُهُ وَالدَّاعِيَةُ أَيْ الرَّغْبَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا لِلْعِلْمِ بِهَا مِنْ خَلْقِ الْقُدْرَةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْفِعْلِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُحَقِّقُونَ (قَوْلُهُ: خَلْقُ الطَّاعَةِ إلَخْ) أَيْ لَا خَلْقُ الْقُدْرَةِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الْحَادِثَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.
وَأَقُولُ بِأَنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي ذَاتِ الْفِعْلِ لَكِنْ عَلَى وَفْقِ مَشِيئَةِ الرَّبِّ وَإِرَادَتِهِ فَقَدْ نُسِبَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخَرُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لَعَلَّنَا نَذْكُرُهَا فِيمَا بَعْدُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى وَلَا يَصِحُّ نِسْبَتُهَا لَهُمْ بَلْ هِيَ مَكْذُوبَةٌ عَنْهُمْ وَلَئِنْ صَحَّتْ فَإِنَّمَا قَالُوهَا فِي مُنَاظَرَةٍ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ جَرَّ إلَيْهَا الْجَدَلُ اهـ.
وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ قَدْ نَقَلَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فِي كُتُبِهِمْ عَنْهُمْ وَاشْتُهِرَتْ وَقَدْ نَقَلَهَا صَاحِبُ نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ عَنْ أَرْبَابِهَا وَاحْتَجَّ عَلَى صِحَّتِهَا وَفِي الشَّامِلِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ التَّصْرِيحُ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ حُسْنُ ظَنٍّ مِنْهُ. قَالَ الشَّاوِيُّ وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ مَنْ أَخَذَ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ الْكُتُبِ يُحَرِّضُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خُصُوصًا وَيَقُولُ لِكُلِّ مَنْ لَقِيَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْعَوَامّ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ عَلَى وَفْقِ مَشِيئَةِ الرَّبِّ حَتَّى كَانَ عِنْدَهُ إدْخَالُ هَذَا الْعَقْدِ عَلَى