للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ (وَلَا تُعْتَبَرُ) الْأَعْمَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْخُرُوجِ بِهَا عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِالْإِسْلَامِ (إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ) أَيْ التَّصْدِيقِ الْمَذْكُورِ

(وَالْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك) كَذَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى بَيَانِ الْإِيمَانِ «بِأَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَبَيَانِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إنْ اسْتَطَعْت إلَيْهِ سَبِيلًا» هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِيهَا تَقْدِيمُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِيمَانِ عَكْسُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الَّتِي تَبِعَهَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهَا عَلَى تَرْتِيبِ الْوَاقِعِ وَتَأْخِيرُ الْإِحْسَانِ عَنْهُمَا وَهُوَ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِبَادَةِ الشَّامِلَةِ لَهُمَا حَتَّى تَقَعَ عَلَى الْكَمَالِ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَمَالٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا

(وَالْفِسْقُ) بِأَنْ تُرْتَكَبَ الْكَبِيرَةُ (لَا يُزِيلُ الْإِيمَانَ) خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُ يُزِيلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ الْأَعْمَالَ جُزْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ (وَالْمَيِّتُ مُؤْمِنًا فَاسِقًا) بِأَنْ لَمْ يَتُبْ (تَحْتَ الْمَشِيئَةِ إمَّا أَنْ يُعَاقَبَ) بِإِدْخَالِهِ النَّارَ (ثُمَّ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) لِمَوْتِهِ عَلَى الْإِيمَانِ.

(وَإِمَّا أَنْ يُسَامَحَ) بِأَنْ لَا يَدْخُلَ النَّارَ (بِمُجَرَّدِ فَضْلِ اللَّهِ أَوْ) بِفَضْلِهِ (مَعَ الشَّفَاعَةِ) مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ أَوْ مِمَّنْ يَشَاءُ اللَّهُ وَتَرَدَّدَ النَّوَوِيُّ فِي ذَلِكَ قَالَ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ وَلَا بِنَفْيِهِ قَالَ وَهِيَ فِي إجَازَةِ الصِّرَاطِ بَعْدَ وَضْعِهِ وَيَلْزَمُ مِنْهَا النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ وَزَعَمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا الشَّفَاعَةُ فِيهِ (وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوْلَاهُ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ (حَبِيبُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ وَلَهُ شَفَاعَاتٌ

ــ

[حاشية العطار]

اخْتَصَّ بِذَوِي الْعِلْمِ وَالْفِعْلُ أَعَمُّ وَفِي الْحَدِيثِ «فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» يَعْنِي الدَّابَّةَ وَجُبَارٌ بِالضَّمِّ هَدَرٌ

(قَوْلُهُ: وَهُوَ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ فِي الْعِبَادَةِ) بِأَنْ يَسْتَشْعِرَ أَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى لِقُوَّةِ الشُّهُودِ وَالْحُضُورِ الدَّائِمِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَى اللَّهَ تَعَالَى وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّهُ يَرَاهُ

(قَوْلُهُ: لَا يُزِيلُ الْإِيمَانَ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ حَاصِلٌ عِنْدَهُ أَيْ وَلَا تُدْخِلُهُ فِي الْكُفْرِ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ بَلْ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا كَافِرٌ وَأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ يَدُلُّ لَنَا الْآيَاتُ النَّاطِقَةُ بِإِطْلَاقِ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْعَامِّيِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] وقَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: ٨] وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ مُؤْمِنٌ حَتَّى «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ذَرٍّ لَمَّا بَالَغَ فِي السُّؤَالِ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» .

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ وَاسِطَةٌ إلَخْ) أَيْ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَهُوَ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: وَتَرَدَّدَ النَّوَوِيُّ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا فِي شَفَاعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ يَشْفَعُ فِي عَدَمِ دُخُولِ النَّارِ وَإِنْ كَانَ لَهُ شَفَاعَةٌ أُخْرَى (قَوْلُهُ: وَزَعَمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَخْ) وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: ١٨] وَخَصَّهُ أَهْلُ الْحَقِّ بِالْكُفَّارِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاحْتَجَّتْ الْخَوَارِجُ فِي أَنَّ الْفَاسِقَ كَافِرٌ بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤] وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ» .

وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ مَتْرُوكَةُ الظَّوَاهِرِ لِلنُّصُوصِ النَّاطِقَةِ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى ذَلِكَ وَالْخَوَارِجُ خَارِجُونَ عَمَّا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فَلَا اعْتِدَادَ بِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَهُ شَفَاعَاتٌ) أَيْ خَمْسٌ كَمَا ذَكَرَهَا وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثِنْتَيْنِ الْأُولَى فِي تَخْفِيفِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَالثَّانِيَةُ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْ بَعْضِ الْكُفَّارِ وَلَا يَرِدُ شَيْءٌ مِنْهُمَا عَلَى الشَّارِحِ لِأَنَّ كَلَامَهُ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الشَّفَاعَةِ الْعَامَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ فِي الْبَرْزَخِ وَالثَّانِيَةُ خَاصَّةٌ بِأَبِي طَالِبٍ اهـ. زَكَرِيَّا.

قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمَضْنُونِ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ الْإِيمَانُ بِالشَّفَاعَةِ وَاجِبٌ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ نُورٍ يُشْرِقُ مِنْ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ عَلَى جَوْهَرِ النُّبُوَّةِ وَيَنْتَشِرُ مِنْهَا إلَى كُلِّ جَوْهَرٍ اسْتَحْكَمَتْ مُنَاسَبَتُهُ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>