أَعْظَمُهَا فِي تَعْجِيلِ الْحِسَابِ وَالْإِرَاحَةِ مِنْ طُولِ الْوُقُوفِ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ الثَّانِيَةُ فِي إدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ أَيْضًا وَتَرَدَّدَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي ذَلِكَ وَوَافَقَهُ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ وَقَالَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ الثَّالِثَةُ فِيمَنْ اسْتَحَقَّ النَّارَ كَمَا تَقَدَّمَ الرَّابِعَةُ فِي إخْرَاجِ مَنْ أُدْخِلَ النَّارَ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ وَيُشَارِكُهُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ الْخَامِسَةُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا وَجَوَّزَ النَّوَوِيُّ اخْتِصَاصَهَا بِهِ.
(وَلَا يَمُوتُ أَحَدٌ إلَّا بِأَجَلِهِ) وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ فِي الْأَزَلِ انْتِهَاءَ حَيَاتِهِ فِيهِ بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَزَعَمَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْقَاتِلَ قَطَعَ بِقَتْلِهِ أَجَلَ الْمَقْتُولِ وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ لَعَاشَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
(وَالنَّفْسُ بَاقِيَةٌ بَعْدَ قَتْلِ الْبَدَنِ) مُنَعَّمَةٌ أَوْ مُعَذَّبَةٌ (وَفِي فَنَائِهَا عِنْدَ الْقِيَامَةِ تَرَدُّدٌ) قِيلَ تَفْنَى عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى كَغَيْرِهَا (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (وَالْأَظْهَرُ) أَنَّهَا (لَا تَفْنَى أَبَدًا)
ــ
[حاشية العطار]
جَوْهَرِ النُّبُوَّةِ لِشِدَّةِ الْمَحَبَّةِ لَهُ وَكَثْرَةِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى السُّنَنِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِثَالُهُ نُورُ الشَّمْسِ إذَا وَقَعَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يَنْعَكِسُ مِنْهُ إلَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الْحَائِطِ لَا إلَى جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ فِي الْمَوْضِعِ وَتِلْكَ الْمُنَاسَبَةُ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْحَائِطِ وَيَدُلُّك عَلَى انْعِكَاسِ النُّورِ بِطَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ جَمِيعَ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَارِ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الشَّفَاعَةِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِهِ وَمِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَالدُّعَاءِ لَهُ عَقِيبَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحْكِمُ عِلَاقَةَ الْمَحَبَّةِ وَالْمُنَاسَبَةِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. بِاخْتِصَارٍ
(قَوْلُهُ: إلَّا بِأَجَلِهِ) أَيْ فِي أَجَلِهِ وَالْأَجَلُ يُطْلَقُ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا مُدَّةُ الْعُمُرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَالثَّانِي الْوَقْتُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ مَوْتَهُ فِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: ٣٤] وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ لَا عَلَى الْجُزْئِيَّةِ فَالْمَعْنَى لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ لَا يَسْتَقْدِمُونَ عَلَيْهِ.
قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فَائِدَةَ تَقْيِيدِ قَوْلِهِ لَا يَسْتَأْخِرُونَ فَقَطْ بِالشَّرْطِ حِينَئِذٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَإِنْ صَحَّ مَعَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ السَّلِيمِ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى لَا يَسْتَأْخِرُونَ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إنَّ قَوْلَهُ لَا يَسْتَقْدِمُونَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَسْتَأْخِرُونَ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ مَجِيءِ الْأَجَلِ كَمَا يَمْتَنِعُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ بِأَقْصَرِ مُدَّةٍ هِيَ السَّاعَةُ كَذَلِكَ يَمْتَنِعُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مُمْكِنًا عَقْلًا وَذَلِكَ لِأَنَّ خِلَافَ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَعَلِمَهُ مُحَالٌ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} [الأنعام: ٢] فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَوْجُهٍ مِنْهَا أَنَّ الْأَجَلَ الثَّانِيَ أَجَلُ الْمُكْثِ فِي الْقُبُورِ إلَى النُّشُورِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: ٢] أَيْ تَشُكُّونَ فِي شَأْنِ الْبَعْثِ (قَوْلُهُ: وَزَعَمَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ إلَخْ) وَقَالَ أَبُو الْهُذَيْلِ مِنْهُمْ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَمَاتَ بَدَلَ الْقَتْلِ وَتَمَسَّكَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمُتْ لَكَانَ الْقَاتِلُ قَاطِعًا لِأَجَلٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عِلْمِهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَقَالَ الْكَعْبِيُّ إنَّهُ مُتَعَدِّدٌ أَحَدُهُمَا الْقَتْلُ وَالثَّانِي الْمَوْتُ وَالْمَقْتُولُ لَمْ يَمُتْ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَالْمَوْتُ لَا يَكُونُ إلَّا فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: لَعَاشَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) مَمْنُوعٌ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْعُمُرِ بِسَبَبِ بَعْضِ الطَّاعَاتِ فَهِيَ أَخْبَارُ آحَادٍ فَلَا تُعَارِضُ الْآيَاتِ الْقَطْعِيَّةَ أَوْ الْمُرَادُ الزِّيَادَةُ بِحَسَبِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ كَمَا يُقَالُ ذِكْرُ الْفَتَى عُمْرُهُ الثَّانِي قَالَ الشَّاعِرُ:
كَمْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ مَآثِرُهُمْ ... وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ} [فاطر: ١١] فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إشَارَةٌ لِتَفَاوُتِ الْأَعْمَارِ فَالضَّمِيرُ لِلْمُعَمَّرِ لَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ الْأَوَّلَ عَلَى حَدِّ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ النَّقْصُ مِنْ الْعُمُرِ بِاعْتِبَارِ مُرُورِ الْأَيَّامِ فَإِنَّ مُرُورَهَا نَقْصٌ فِي الْعُمُرِ.
(قَوْلُهُ: وَالنَّفْسُ) أَيْ الرُّوحُ (قَوْله قِيلَ تَفْنَى) لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: ٢٦] (قَوْلُهُ: قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إلَخْ) نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ