للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَقَائِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ اسْتِمْرَارُهُ (وَفِي عَجْبِ الذَّنَبِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ هَلْ يَبْلَى (قَوْلَانِ) الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَبْلَى لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَيْسَ مِنْ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إلَّا يَبْلَى إلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ مِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ» .

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ «قِيلَ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْهُ تُنْشَئُونَ وَهُوَ فِي أَسْفَلِ الصُّلْبِ عِنْدَ رَأْسِ الْعُصْعُصِ يُشْبِهُ فِي الْمَحَلِّ مَحَلَّ أَصْلِ الذَّنَبِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ» (قَالَ الْمُزَنِيّ وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ (يَبْلَى) كَغَيْرِهِ قَالَ تَعَالَى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] (وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ) الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ لَا يَبْلَى بِالتُّرَابِ بَلْ بِلَا تُرَابٍ كَمَا يُمِيتُ اللَّهُ مَلَكَ الْمَوْتِ بِلَا مَلَكِ الْمَوْتِ

(وَحَقِيقَةُ الرُّوحِ) وَهِيَ النَّفْسُ (لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا لِعَدَمِ نُزُولِ الْأَمْرِ بِبَيَانِهَا قَالَ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥] (فَنُمْسِكُ) نَحْنُ (عَنْهَا) وَلَا نُعَبِّرُ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَوْجُودٍ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الْجُنَيْدُ وَغَيْرُهُ. وَالْخَائِضُونَ فِيهَا اخْتَلَفُوا فَقَالَ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ إنَّهَا جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ اشْتِبَاكَ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إنَّهَا عَرَضٌ وَهِيَ الْحَيَاةُ الَّتِي صَارَ الْبَدَنُ بِوُجُودِهَا حَيًّا قَالَ السُّهْرَوَرْدِيّ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ وَصْفُهَا فِي الْأَخْبَارِ بِالْهُبُوطِ وَالْعُرُوجِ وَالتَّرَدُّدِ فِي الْبَرْزَخِ وَقَالَ الْفَلَاسِفَةُ

ــ

[حاشية العطار]

تَرَدَّدَ فِي فَنَاءِ الرُّوحِ عِنْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ قَالَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تَفْنَى أَبَدًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ) أَيْ وَتَكُونُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ إلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْحُورِ الْعِينِ وَذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلشُّهَدَاءِ فَقَطْ. اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: مِنْهُ خُلِقَ) أَيْ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ وُجُودِهِ وَقَوْلُهُ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ أَيْ عِنْدَ الْمَعَادِ

قَوْلُهُ: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥] قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَضْنُونُ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ إنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ مِسَاحَةٌ وَتَقْدِيرٌ وَهِيَ الْأَجْسَامُ وَعَوَارِضُهَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ عَالَمِ الْخَلْقِ وَالْخَلْقُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ لَا بِمَعْنَى الْإِيجَادِ وَالْإِحْدَاثِ يُقَالُ خَلَقَ الشَّيْءَ أَيْ قَدَّرَهُ قَالَ زُهَيْرٌ وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ يَفْرِي أَيْ يَقُدُّ الْأَدِيمَ ثُمَّ يَقْطَعُهُ وَمَا لَا كَمِّيَّةَ لَهُ وَلَا تَقْدِيرَ يُقَالُ إنَّهُ أَمْرٌ رَبَّانِيٌّ وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنْ أَرْوَاحِ الْبَشَرِ وَأَرْوَاحِ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ إنَّهُ مِنْ عَالَمِ الْأَمْرِ فَعَالَمُ الْأَمْرِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْ الْحِسِّ وَالْخَيَالِ وَالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَالْحَيِّزِ وَهُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمِسَاحَةِ وَالتَّقْدِيرِ لِانْتِفَاءِ الْكَمِّيَّةِ عَنْهُ اهـ.

وَفِي الْفَرَائِدِ لِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا أَنَّ رُوحَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ بَاكُورَةٍ أَثْمَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِيجَادِهِ مِنْ شَجَرَةِ الْوُجُودِ وَأَوَّلُ شَيْءٍ تَعَلَّقَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ شَرَّفَهُ بِتَشْرِيفِ إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ تَعَالَى ثُمَّ حِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَهُوَ رُوحُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ أَبُو الْأَرْوَاحِ كَمَا أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبُو الْأَشْخَاصِ وَهَذَا أَحَدُ أَسْرَارِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «آدَم وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْخَائِضُونَ فِيهَا اخْتَلَفُوا) أَيْ فِي حَقِيقَتِهَا وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا تَرَكَ الْجَوَابَ عَنْهَا تَفْصِيلًا لِكَوْنِ عَدَمِ الْجَوَابِ عَنْهَا كَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِهِمْ وَالثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ ذَلِكَ لِتَعَنُّتِهِمْ بِالسُّؤَالِ وَقَصْدِهِمْ بِهِ التَّعْجِيزَ فَإِنَّ الرُّوحَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جِبْرِيلَ وَمَلَكٍ آخَرَ يُقَالُ لَهُ الرُّوحُ وَصِنْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْقُرْآنِ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَرُوحِ الْإِنْسَانِ فَلَوْ أُجِيبَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا لَقَالَتْ الْيَهُودُ لَمْ نُرِدْ هَذَا تَعَنُّتًا مِنْهُمْ فَجَاءَ الْجَوَابُ مُجْمَلًا عَلَى وَجْهٍ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ مَعَانِي الرُّوحِ اهـ. نَجَّارِيٌّ.

(فَائِدَةٌ) :

وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» قَالَ فِي الْيَوَاقِيتِ فِي الْإِقْبَالِ بِالْوَجْهِ غَايَةٌ فِي الْمَوَدَّةِ وَعَكْسُهُ الظَّهْرُ وَبِالْجَنْبِ بَيْنَ ذَلِكَ وَذَلِكَ يَوْمَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] قَالَ وَيُكْشَفُ لِكَثِيرِ عَنْ ذَلِكَ كَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى إنَّهُمْ يَعْرِفُونَ تَلَامِذَتَهُمْ إذْ ذَاكَ قَالَ بَعْضُهُمْ أَعْرِفُ مَنْ كَانَ عَنْ يَمِينِي إذْ ذَاكَ مِمَّنْ كَانَ عَلَى يَسَارِي وَيُلَاحِظُونَهُمْ فِي ظُهُورِ الْآبَاءِ وَأَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ الرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>