وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْت تَقُولُ فِي هَذَا النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إلَى أَنْ قَالَ وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوْ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي» إلَخْ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّك وَمَا دِينُك وَمَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ رَبِّي اللَّهُ وَدِينِي الْإِسْلَامُ وَالرَّجُلُ الْمَبْعُوثُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ الْكَافِرُ فِي الثَّلَاثِ لَا أَدْرِي» .
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَلِلْآخِرِ النَّكِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ فَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ «تُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً مُشَاةً عُرَاةً غُرْلًا» أَيْ غَيْرُ مُخْتَتَنِينَ وَأَحَادِيثُ «يُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ وَمُرُورُ الْمُؤْمِنِينَ مُتَفَاوِتِينَ وَأَنَّهُ مَزِلَّةٌ أَيْ تَزِلُّ بِهِ أَقْدَامُ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا» وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «بَلَغَنِي أَنَّهُ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ» وَرَوَى الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ «يُؤْتَى بِابْنِ آدَمَ فَيُوقَفُ بَيْنَ كِفَّتَيْ الْمِيزَانِ» إلَخْ
(وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ الْيَوْمَ) يَعْنِي قَبْلَ يَوْمِ الْجَزَاءِ لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ نَحْوِ {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: ١٣٣] {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٤] وَقِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِي إسْكَانِهِمَا الْجَنَّةَ وَإِخْرَاجِهِمَا مِنْهَا بِالزَّلَّةِ
ــ
[حاشية العطار]
مِنْ حَيْثُ مَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ (قَوْلُهُ: فَيُقْعِدَانِهِ) أَيْ بِإِقْلَاقٍ وَانْتِهَارٍ وَإِزْعَاجٍ فِي غَيْرِ الْمُؤْمِنِ أَمَّا هُوَ فَيَرْفُقَانِ بِهِ وَيَقُولَانِ لَهُ إذَا وُفِّقَ لِلْجَوَابِ نِمْ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إلَّا أَحَبُّ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَمَّا صُورَتُهُمَا فَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ يَرَاهُمَا عَلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ قِيلَ إنَّ أَحَدَهُمَا يَكُونُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ وَالْآخَرَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَاَلَّذِي يُبَاشِرُ السُّؤَالَ هُوَ الْوَاقِفُ مِنْ جِهَةِ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قُبَالَةَ وَجْهِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْأَلُ بِلِسَانِهِ وَقِيلَ: يَسْأَلُ بِالسُّرْيَانِيِّ وَأَنَّ السُّؤَالَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ أَنَّهُ يَسْأَلُ ثَلَاثًا وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ إنَّ الْمُؤْمِنَ يُسْأَلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالْكَافِرُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا قَالَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ وَقْتِ السُّؤَالِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الدَّفْنِ (قَوْلُهُ: فِي هَذَا النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ) أُخِذَ مِنْهُ حُضُورُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقْتَ السُّؤَالِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فَالْإِشَارَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَعْهُودِ ذِهْنًا (قَوْلُهُ: وَمَا هَذَا الرَّجُلُ) قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَإِنَّمَا كَانَ الْمَلَكَانِ يَقُولَانِ لِلْمَيِّتِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ تَعْظِيمٍ وَلَا تَفْخِيمٍ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْمَلَكَيْنِ الْفِتْنَةُ لِيَتَمَيَّزَ الصَّادِقُ فِي الْإِيمَانِ مِنْ الْمُرْتَابِ إذْ الْمُرْتَابُ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِهَذَا الرَّجُلِ الْقَدْرُ الَّذِي كَانَ يَدَّعِيهِ فِي رِسَالَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَلَكُ يُنْبِئُ عَنْهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْكِنَايَةِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْمُرْتَابُ لَا أَدْرِي فَيَشْقَى شَقَاءَ الْأَبَدِ اهـ. مِنْ الْيَوَاقِيتِ وَالْجَوَاهِرِ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي قَبْلَ يَوْمِ الْجَزَاءِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَوْمِ الدُّنْيَا لَا الْيَوْمُ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَلَا الْيَوْمُ الْمُقَابِلُ لِلَّيْلَةِ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْفُتُوحَاتِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا أَهْلِ الْكَشْفِ وَالتَّعْرِيفِ أَنَّهُمَا يَعْنِي الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ غَيْرُ مَخْلُوقَتَيْنِ فَأَمَّا قَوْلُنَا مَخْلُوقَتَانِ فَكَرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ دَارًا فَأَقَامَ حِيطَانَهَا كُلَّهَا الْمُحْتَوِيَةَ عَلَيْهَا خَاصَّةً فَيُقَالُ قَدْ بَنَى دَارًا فَإِذَا دَخَلَهَا لَمْ يَرَ الْأَسْوَارَ دَائِرًا عَلَى فَضَاءٍ وَسَاحَةٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَبْنِي بُيُوتَهَا عَلَى أَغْرَاضِ السَّاكِنِينَ فِيهَا مِنْ بُيُوتٍ وَغُرَفٍ إلَخْ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهَا مِمَّا يُرِيدُهُ السَّاكِنُ اهـ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ أَنَّهُ مَا أَنْزَلَ أَهْلَ النَّارِ إلَّا عَلَى أَعْمَالِهِمْ خَاصَّةً وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [النحل: ٨٨] فَذَلِكَ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهُمْ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: ١٣] وَأَدْخَلُوا عَلَيْهِمْ الشُّبَهَ الْمُضِلَّةَ فَحَادُوا بِهَا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ فَمَا نَزَلُوا مِنْ الْمَنَازِلِ إلَّا مَنَازِلَ اسْتِحْقَاقٍ بِخِلَافِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِنَّهُمْ أُنْزِلُوا فِيهَا مَنَازِلَ اسْتِحْقَاقٍ بِأَعْمَالِهِمْ مِثْلَ الْكُفَّارِ وَمَنَازِلَ وِرَاثَةٍ وَمَنَازِلَ اخْتِصَاصٍ (قَوْلُهُ: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ إلَخْ) فَإِنَّ صِيغَةَ الْمُضِيِّ فِيهَا تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِمَا مَخْلُوقَتَيْنِ فِيمَا مَضَى وَالْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ الِاسْتِقْبَالِيِّ كَمَا فِي {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: ٤٤] لَا قَرِينَةً عَلَيْهِ بِخِلَافِ وَنَادَى.
(قَوْلُهُ: وَقِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَحَمْلُهَا عَلَى بُسْتَانٍ مِنْ بَسَاتِينِ الدُّنْيَا يَجْرِي مَجْرَى التَّلَاعُبِ بِالدِّينِ وَالْمُرَاغَمَةِ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا قَائِلَ بِخَلْقِ الْجَنَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute