وَزَعَمَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمَا إنَّمَا يُخْلَقَانِ يَوْمَ الْجَزَاءِ.
ــ
[حاشية العطار]
دُونَ النَّارِ فَثُبُوتُهَا ثُبُوتُهَا (قَوْلُهُ: وَزَعَمَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَخْ) تَمَسَّكُوا بِأَدِلَّةٍ رَكِيكَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ عَلَى الْأَفْلَاكِ وَامْتِنَاعِ الْخَلَاءِ مِنْ الْأُصُولِ الْفَلْسَفِيَّةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي تَعْيِينِ مَكَانِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَتَحْتَ الْعَرْشِ تَشَبُّثًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: ١٤] {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: ١٥] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَقْفُ الْجَنَّةِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَالنَّارُ تَحْتَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ» وَالْحَقُّ تَفْوِيضُ ذَلِكَ إلَى عِلْمِ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ اهـ.
وَمِنْ الْغَرِيبِ قَوْلُ بَعْضِ حَوَاشِي جَلَالِ الدِّينِ الدَّوَانِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ إذَا كَانَتْ الْجَنَّةُ هُنَاكَ يَعْنِي فَوْقَ السَّمَوَاتِ فَأَيْنَ النَّارُ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ الْجَنَّةُ فِيمَا يَلِي سَمْتَ رُءُوسِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَالنَّارُ فِيمَا يَلِي سَمْتَ قَدَمِهِمْ وَبِحَمْلِ الْأَرَضِينَ بِمَعْنَى السُّفْلَيَاتِ مِنْ الْأَرْضِ وَسَائِرِ الْعَنَاصِرِ وَالْأَفْلَاكِ السَّبْعَةِ الْكُرِّيَّةِ مِمَّا يَلِي سَمْتَ قَدَمِهِمْ وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ إشْكَالٌ قَوِيٌّ هُوَ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ كُرِّيَّةً وَلَا فِي كَوْنِ الْأَرْضِ فِي الْوَسَطِ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَرْصَادُ وَالْخَسُوفَاتُ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ فَلَا تَكُونُ النَّارُ تَحْتَ الْأَرَضِينَ وَإِلَّا لَكَانَتْ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَفَلَكِ الْقَمَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي بَعْضِ الْآثَارِ لَوْ أَنَّ شَرَارَةً مِنْهَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَأَحْرَقَتْ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا اهـ.
وَلَا يَخْفَاك أَنَّ هَذَا كَلَامُ مَنْ تَشَبَّثَ بِقَوَاعِد الْفَلَاسِفَةِ فِي تَقْرِيرِ الشَّرْعِيَّاتِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ نَوَّرَ اللَّهُ ضَرِيحَهُ وَتَحْكِيمُ الْعُقُولِ فِي عَالَمِ الْمَلَكُوتِ يُفْضِي إلَى تَوَارُدِ الشُّبَهِ وَيُوقِعُ فِي الزَّلَلِ عَصَمَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِفَضْلِهِ وَمَا فِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى صُورَةِ الْجَامُوسِ قَالَ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّالِعَ وَقْتَ خَلْقِهَا كَانَ الثَّوْرَ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ فِيهَا الْآلَامُ مِنْ جُوعٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ تَجَلِّي قَوْله تَعَالَى «مَرِضْت فَلَمْ تَعْدُنِي وَجُعْت فَلَمْ تُطْعِمْنِي وَظَمِئْتُ فَلَمْ تَسْقِنِي» اهـ.
يَعْنِي: مَا يُفْعَلُ لِأَجْلِهِ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ مِمَّا لَا يَفْهَمُهُ إلَّا مَنْ ذَاقَ مَذَاقَهُمْ نَعَمْ قَوْلُهُ لَيْسَ بِنَفْسِ جَهَنَّمَ وَلَا خَزَنَتِهَا أَلَمٌ بَلْ حُكْمُهُمْ كَغَيْرِهِمْ {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: ٢٠] وَقَوْلُهُ إنَّ مَثَلَ الْجَنَّةِ الْآنَ كَمَدِينَةٍ بُنِيَ سُورُهَا وَلَمْ تَكْمُلْ بُيُوتُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَلِذَلِكَ وَرَدَ مَنْ فَعَلَ كَذَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ اهـ.
مِمَّا نَعْقِلُهُ وَنَفْهَمُهُ وَفِي الْفُتُوحَاتِ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ كَانَ زُحَلُ فِي الثَّوْرِ وَكَانَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فِي الْقَوْسِ وَكَانَتْ سَائِرُ الدَّرَارِيِّ فِي الْجَدْيِ اهـ.
وَلَا يَخْفَاك أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَرِيحٌ فِي تَقَدُّمِ خَلْقِ الْأَفْلَاكِ عَلَيْهَا وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَلَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ مَجَالٌ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ عَذَابَ أَهْلِ جَهَنَّمَ مَا هُوَ مِنْهَا وَإِنَّمَا هِيَ دَارُ سُكْنَاهُمْ وَسِجْنُهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ فِيهِمْ أَنْوَاعَ الْعَذَابِ مَتَى شَاءَ فَعَذَابُهُمْ مِنْ اللَّهِ وَهِيَ مَحَلٌّ لَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ دُخُولِ الْخَلْقِ فِيهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا فِيهَا فَلَا أَلَمَ فِيهَا فِي نَفْسِهَا وَلَا فِي نَفْسِ مَلَائِكَتِهَا بَلْ هِيَ وَمَنْ فِيهَا مِنْ زَبَانِيَتِهَا فِي رَحْمَةِ اللَّهِ مُتَنَعِّمُونَ مُتَلَذِّذُونَ وَحَدُّهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحِسَابِ مِنْ مُقَعَّرِ فَلَكِ الثَّوَابِتِ إلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إذَا رَأَى الْبَحْرَ يَا بَحْرُ مَتَى تَعُودُ نَارًا وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: ٦] أَيْ أُجِّجَتْ نَارًا مِنْ سَجَرْت التَّنُّورَ إذَا أَوْقَدْته وَمِنْ هُنَا كَرِهَ ابْنُ عُمَرَ الْوُضُوءَ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَقَالَ التَّيَمُّمُ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْهُ وَلَوْ كَشَفَ اللَّهُ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلْقِ الْيَوْمَ لَرَأَوْهُ نَارًا يَتَأَجَّجُ. اهـ. مِنْ أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْجَنَّةُ نَوْعَانِ جَنَّةٌ مَحْسُوسَةٌ وَجَنَّةٌ مَعْنَوِيَّةٌ وَالْعَقْلُ يَعْقِلُهُمَا مَعًا وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ الْمَحْسُوسَةَ بِطَالِعِ الْأَسَدِ وَخَلَقَ الْجَنَّةَ الْمَعْنَوِيَّةَ الَّتِي هِيَ رُوحُ هَذِهِ الْجَنَّةِ الْمَحْسُوسَةِ مِنْ الْفَرَحِ الْأَكْبَرِ مِنْ صِفَةِ الْكَمَالِ وَالِابْتِهَاجِ وَالسُّرُورِ فَكَانَتْ الْجَنَّةُ الْمَحْسُوسَةُ كَالْجِسْمِ وَالْجَنَّةُ الْمَعْقُولَةُ كَالرُّوحِ وَقُوَاهُ وَلِهَذَا سَمَّاهَا الْحَقُّ تَعَالَى الدَّارَ الْحَيَوَانَ لِحَيَاتِهَا. وَأَهْلُهَا يَتَنَعَّمُونَ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute