وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكَهُ إذَا كَانَ ضَرَرًا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَصَرَّحَ بِمِثْلِهِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ أَوْ تَشَاحَّا، وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُبَاعُ عِنْدَ طَلَبِ الْقِسْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْبَيْعَ. وَلِهَذَا مَأْخَذَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ قِسْمَةُ الْعَيْنِ عُدِلَ إلَى قِسْمَةِ بَدَلِهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَهَذَا مَأْخَذٌ مَنْ قَالَ يُبَاعُ بِمُجَرَّدِ طَلَبِ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ مِثْلًا لَا فِي قِيمَةِ النِّصْفِ فَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مُفْرَدًا لَنَقَصَ حَقُّهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِي السِّرَايَة أَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ كُلُّهُ ثُمَّ يُعْطَى الشُّرَكَاءُ قِيمَةَ حِصَصِهِمْ، وَقَدْ نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ بَيْعَ التَّرِكَةِ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ إذَا كَانَ فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ وَاحْتِيجَ إلَى الْبَيْعِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ بَعْضِهِمْ مِنْ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ عَلَى الْكِبَارِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ضَرَرَ مَا نَقَصَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ كَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مِنْهُمَا أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِالْمَقْسُومِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَدَمُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ فِي حَالَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ مُمْكِنَةٌ وَمَعَ الْإِجْبَارِ عَلَيْهَا لَا يَقَعُ الْإِجْبَارُ عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي مَسَائِلِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ وَأَبَى الْآخَرُ، قَالَ أَحْمَدُ يَبِيعُ كُلٌّ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا إجْبَارَ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ الشَّرِيك، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُشَاعِ الْمُشْتَرَك، فَأَمَّا الْمُتَمَيِّزُ كَمَنْ فِي أَرْضِهِ غَرْسٌ لِغَيْرِهِ أَوْ فِي ثَوْبِهِ صَبْغٌ لِغَيْرِهِ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ الْآخَرُ مَعَهُ فَفِي إجْبَارِهِ وَجْهَانِ، أَوْرَدَهُمَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي غِرَاسِ الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ يُسْتَدَامُ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَتَخَلَّصُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِدُونِ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ غَرْسِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِالْقَلْعِ، فَأَمَّا الْبَيْعُ فَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ فِي بَيْعِ الْغَاصِبِ إنْ طَلَبَ مَالِكُ الثَّوْبِ أَنْ يَبِيعَ مَعَهُ لَزِمَهُ وَفِي الْعَكْسِ وَجْهَانِ وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِالْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ بِطَلَبِ الْغَاصِبِ، وَأَمَّا صَبْغُ الْمُشْتَرِي إذَا أَفْلَسَ وَأَخَذَ الْبَائِعُ ثَوْبَهُ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّبْغَ يُسْتَدَامُ فِي الثَّوْبِ فَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْ الشَّرِكَةِ فِيهِ بِدُونِ الْبَيْع، وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْن طَلَبِ الْغَاصِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ الْغَاصِبُ بِعُدْوَانِهِ عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِ غَيْرِهِ عَنْهُ قَهْرًا
وَمِنْهَا: قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ بِالْمُهَايَأَةِ هَلْ تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي الْمَذْهَبِ سِوَاهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُهَايَأَةِ وَالْقِسْمَةِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَالْمُهَايَأَةُ مُعَاوَضَةٌ حَيْثُ كَانَتْ اسْتِيفَاءً لِلْمَنْفَعَةِ مِنْ مِثْلِهَا فِي زَمَنٍ آخَرَ، وَفِيهَا تَأْخِيرُ أَحَدِهِمَا عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَلَا يَلْزَمُ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ وَأَبِي طَالِبٍ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَوْمًا لِنَفْسِهِ وَيَوْمًا لِسَيِّدِهِ الْبَاقِي، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute