عَلَى التَّرَاضِي وَهُوَ بَعِيدٌ، وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: يَكُونُ يَوْمًا لِنَفْسِهِ وَيَوْمًا لِسَيِّدِهِ، وَالْأُخْرَى أَنَّ كَسْبَهُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْمُهَايَأَةِ حُكْمًا مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ تَجِبُ الْمُهَايَأَةُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ لِانْتِفَاءِ تَأَخُّرِ اسْتِيفَاءِ أَحَدِهِمَا لِحَقِّهِ فِي الْمُهَايَأَةِ بِالْأَمْكِنَةِ فَهُوَ كَقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِانْتِفَاءِ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي، وَهَلْ تَقَعُ لَازِمَةً إذَا كَانَتْ مُدَّتُهَا مَعْلُومَةً أَوْ جَائِزَةً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالْمَجْزُومُ فِي التَّرْغِيبِ الْجَوَازُ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ اللُّزُومَ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ نَوْبَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ غَرِمَ مَا انْفَرَدَ بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَنْفَسِخُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الدَّوْرُ وَيَسْتَوْفِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقَّهُ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَسْمِ وَهِيَ أَنَّ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ فَقَسَمَ لِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ لَهُ حَتَّى يُوَفِّيَهَا حَقّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا يُقَالُ هَذِهِ الْقِسْمَةُ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْمُهَايَأَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا لَزِمَتْ لِأَجْلِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الزَّوْجِيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ أَنَّ قَسْمَ الِابْتِدَاءِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا شُرَطَتِهِ ثُمَّ تَلِفَتْ الْمَنَافِعُ فِي الذَّكَرِ الْآخَرِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَبْضِ، فَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِبَدَلِ حِصَّتِهِ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ رَضِيَ بِمَنْفَعَةِ الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ جَعْلًا لِلتَّالِفِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالتَّالِفِ فِي الْإِجَارَةِ قَالَ وَسَوَاءٌ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ أَوْ بَيْعٌ فَإِنَّ الْمُعَادَلَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِيهَا خِيَارُ الْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ انْتَهَى.
وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ ظَاهِرٌ، وَلَكِنَّ الشَّيْخَ رَجَّحَ اللُّزُومَ. وَيَتَخَرَّجُ فِي الرُّجُوعِ حِينَئِذٍ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا تَقَاسَمَ الشَّرِيكَانِ الدَّيْنَ فِي ذِمَمِ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ تَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ هَلْ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْآخَرِ فِيمَا قَبَضَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ نَقَلَهُمَا مَعًا ابْنُ مَنْصُورٍ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَحْمَدَ، وَرِوَايَةُ الرُّجُوعِ حَمَلَهَا الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَصِحَّ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ لَمْ تَصِحَّ أَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِهَا مُحَرَّمٌ بَاطِلٌ، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ قَبَضَ شَيْئًا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لَانْفَرَدَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ شَبَّهَهُ بِالْمُهَايَأَةِ.
وَمِنْهَا: الزَّرْعُ وَالشَّجَرُ الْمُشْتَرَكُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ سَقْيَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِزَرْعٍ وَلِلْآخِرِ بِتِبْنِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ السَّقْيَ مِنْ بَابِ حِفْظِ الْأَصْلِ وَإِبْقَائِهِ فَهُوَ شُرَطَةٍ السَّقْفِ إذَا انْكَسَرَ بَعْضُ خَشَبِهِ وَالْحَائِطُ الْمَائِلُ، وَذَلِكَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِنْ بِنَاءِ السَّاقِطِ لِأَنَّ إعَادَةَ الْحَائِطِ بَعْدَ زَوَالِهِ شَبِيهٌ بِإِحْدَاثِ الْمَنْفَعَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ رَدًّا لَهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أُلْحِقَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَأَلْحَق الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِهَذَا كُلَّ مَا فِيهِ حِفْظُ الْأَصْلِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ مِثْلُ الْحَارِسِ وَالنَّاظِرِ وَالدَّلِيلِ عَلَى الطَّرِيقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute