مِنْ يَدِ أَمِينِهِ وَلَا عُدْوَانَ فِيهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِالْمُتَعَدِّي بِخِلَافِ مُودَعِ الْغَاصِبِ لِقَبْضِهِ مِنْ يَدِ ضَامِنِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْوَكَالَةِ وَالرَّهْنِ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْأَمِينَ فِي الرَّهْنِ إذَا بَاعَا وَقَبَضَا الثَّمَنَ ثُمَّ بَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَحِقًّا لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ، لَا تُنَاقِضُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ مَنْ قَصُرَ فَهْمُهُ ; لِأَنَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِمْ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ شَيْءٌ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي أَقْبَضَهُ إيَّاهُ ; لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ. أَمَّا أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُطَالِبُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعَيْنِ بِالضَّمَانِ فَهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ هَهُنَا أَلْبَتَّةَ. وَهُوَ بِمَعْزِلٍ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ.
(الثَّالِثَةُ) الْقَابِضَةُ لِمَصْلَحَتِهَا، وَمَصْلَحَةُ الدَّافِعِ كَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ بِجُعْلٍ وَالْمُرْتَهِنِ، فَالْمَشْهُورُ جَوَازُ تَضْمِينِهَا أَيْضًا وَتَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْ لِدُخُولِهَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الرَّهْنِ احْتِمَالَيْنِ آخَرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْقَابِضِ لِتَلَفِ مَالِ الْغَيْرِ تَحْتَ يَدِهِ الَّتِي لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْقَبْضِ فَهِيَ كَالْعَالِمَةِ بِالْحَالِ، إجَازَةُ هَذَا الْوَجْهَ فِي الْمُضَارِبِ أَيْضًا.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَضْمِينُهَا بِحَالٍ لِدُخُولِهَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَضْمِينُ الْقَابِضِ مَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةً أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَحِقُّ قَلْعَهُ إلَّا مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ كَالْغِرَاسِ الْمُحْتَرَمِ الصَّادِرِ عَنْ إذْنِ الْمَالِكِ فَجُعِلَ الْمَغْرُورُ كَالْمَأْذُونِ لَهُ فَلَا يَضْمَنُ ابْتِدَاءً مَا لَمْ يَلْزَمْ ضَمَانُهُ. وَكَذَلِكَ نَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَغْرُورِ فِي النِّكَاحِ أَنَّ فِدَاءَ وَلَدِهِ عَلَى مَنْ غَرَّرَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَى الزَّوْجِ مُطَالَبَةً.
وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَ عَنْهُ مُهَنَّا فِيمَنْ بَعَثَ رَجُلًا إلَى رَجُلٍ لَهُ عِنْدَهُ مَالٌ فَقَالَ لَهُ خُذْ مِنْهُ دِينَارًا فَأَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُرْسِلِ لِتَغْرِيرِهِ وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الرَّسُولِ، وَحَكَى الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي الْمُضَارَبَةِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ الضَّمَانَ فِي هَذِهِ الْأَمَانَاتِ يَسْتَقِرُّ عَلَى مَنْ ضَمِنَ مِنْهُمَا فَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ.
(الرَّابِعَةُ) : الْقَابِضَةُ لِمَصْلَحَتِهَا خَاصَّةً إمَّا بِاسْتِيفَاءِ الْعَيْنِ كَالْقَرْضِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَالْعَارِيَّةِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الضَّمَانِ فِي الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا ضَمِنَتْ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ رَجَعَتْ عَلَى الْغَاصِبِ بِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ ; لِأَنَّ ضَمَانَهَا كَانَ بِتَغْرِيرِهِ، وَفِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ لَا يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ إذَا تَلِفَتْ بِالِاسْتِيفَاءِ وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهَا فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ لِاسْتِيفَائِهَا بَدَلَهُ ; كَيْ لَا يَجْتَمِعَ لَهَا الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ، وَأَصْلُ الرِّوَايَتَيْنِ الرِّوَايَتَانِ فِي رُجُوعِ الْمَغْرُورِ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ ابْتِدَاءً فَفِيهِ طَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْبِنَاءُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَرْجِعُ الْقَابِضُ عَلَيْهِ إذَا ضَمِنَ ابْتِدَاءً رَجَعَ الْغَاصِبُ هُنَا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَالْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْقَابِضِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَاضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute