الْفِسْقِ فِي الضَّمَانِ بِالرُّجُوعِ ; لِأَنَّ الرَّاجِعِينَ اعْتَرَفُوا بِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِمْ وَتَسَبُّبِهِمْ إلَى انْتِزَاعِ مَالِ الْمَعْصُومِ وَقَوْلُهُمْ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى نَقْضِ الْحُكْمِ فَتَعَيَّنَ تَغْرِيمُهُمْ، وَلَيْسَ هَهُنَا اعْتِرَافٌ يُبْنَى عَلَيْهِ التَّغْرِيمُ فَلَا وَجْهَ لَهُ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُنْقَضُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. .
(وَمِنْهَا) إذَا وَصَّى إلَى رَجُلٍ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ فَفَعَلَ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ فَفِي ضَمَانِهِ رِوَايَتَانِ وَلَكِنْ هُنَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي مِلْكِ الْغُرَمَاءِ بَلْ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ وَلَكِنَّهُ تَعَلُّقٌ قَوِيٌّ لَا سِيَّمَا إنْ قُلْنَا لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْوَرَثَةِ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي التَّرِكَةِ هِيَ لِلْغُرَمَاءِ لَا لِلْوَرَثَةِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْوَرَثَةُ التَّصَرُّفَ فِيهَا إلَّا بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلَّ مَنْ تَصَرَّفَ بِوِلَايَةٍ فِي مَالٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ.
(وَمِنْهَا) لَوْ وَصَّى لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ فَلَمْ يُعْرَفْ الْمُوصَى لَهُ صَرَفَهُ الْوَصِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ فَإِنْ جَاءَ الْمُوصَى لَهُ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ يَضْمَنُ الْمُفَرِّقُ مَا فَرَّقَهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَظْهَرُهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الثَّانِي: إنْ فَعَلَهُ الْوَصِيُّ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ فَعَلَهُ بِدُونِ إذْنِهِ ضَمِنَ.
(وَمِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى الْوَرَثَةُ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ وَأَعْتَقُوهُ تَنْفِيذًا لِوَصِيَّةِ مُورِثِهِمْ بِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ لِلْغُرَمَاءِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِانْتِفَاءِ الضَّمَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَصِيِّ.
(وَمِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَضْمَنُهُ الْعَامِلُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا يَضْمَنُ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ أَوْ جَاهِلًا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَأَبُو الْخَطَّابِ.
وَالثَّانِي: إنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا ضَمِنَ كَمَا لَوْ عَامَلَ فَاسِقًا أَوْ مُمَاطِلًا أَوْ سَافَرَ سَفَرًا مَخُوفًا أَوْ دَفَعَ الْوَصِيُّ أَوْ أَمِينُ الْحَاكِمِ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ فَبَانَ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.
وَالثَّالِثُ: لَا ضَمَانَ بِكُلِّ حَالٍ حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الضَّمَانِ هَلْ يَضْمَنُهُ بِالثَّمَنِ الْمُشْتَرَى أَوْ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ وَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي الرِّبْحِ الزَّائِدِ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ.
(وَمِنْهَا) إذَا دَفَعَ الْقَصَّارُ ثَوْبَ رَجُلٍ إلَى غَيْرِهِ خَطَأً فَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بِقَطْعٍ أَوْ لُبْسٍ يَظُنُّهُ ثَوْبَهُ فَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي قَصَّارٍ أَبْدَلَ الثَّوْبَ فَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ فَقَطَعَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ثَوْبُهُ، قَالَ: عَلَى الْقَصَّارِ إذَا أَبْدَلَ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ مَالًا فَأَنْفَقَهُ؟ قَالَ: ثَمَنُ هَذَا مِثْلُ الْمَالِ عَلَى الَّذِي أَنْفَقَهُ ; لِأَنَّهُ مَالٌ تَلِفَ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَالِ إذَا أُنْفِقَ وَتَلِفَ وَبَيْنَ الثَّوْبِ إذَا قُطِعَ ; لِأَنَّ الْعَيْنَ هُنَا مَوْجُودَةٌ فَيُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَيَضْمَنُ نَقْصَهَا الْقَصَّارُ لِجِنَايَتِهِ خَطَأً.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ ; لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى [الضَّمَانِ] .
أَمَّا إنْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ صَاحِبُهَا فَأَنْفَقَهَا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُنْفِقِ وَإِنْ كَانَ مَغْرُورًا لِتَلَفِ الْمَالِ تَحْتَ يَدِهِ بِانْتِفَاعِهِ بِهِ وَذَلِكَ مُقَرَّرٌ