لِلضَّمَانِ مَعَ الْيَدِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ مَالِكٍ لَا يَغْرَمُ الَّذِي لَبِسَهُ وَيَغْرَمُ الْغَسَّالُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ فَقَالَ لَا يُعْجِبُنِي مَا قَالَ: وَلَكِنْ إذَا هُوَ لَمْ يَعْلَمْ فَلَبِسَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ لَيْسَ عَلَى الْقَصَّارِ شَيْءٌ فَأَوْجَبَ هُنَا الضَّمَانَ عَلَى اللَّابِسِ لِاسْتِيفَائِهِ الْمَنْفَعَةَ دُونَ الدَّافِعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْجِنَايَةَ فَكَأَنَّ إحَالَةَ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَوْفِي لِلنَّفْعِ أَوَّلًا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُوَافِقُ مَا قَبْلَهَا فِي تَقْرِيرِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُنْتَفِعِ لَا سِيَّمَا وَالدَّافِعُ هُنَا مَعْذُورٌ وَإِنَّمَا ضَمِنَ الْقَصَّارُ الْقَطْعَ ; لِأَنَّهُ تَلَفٌ لَمْ يَحْدُثْ مِنْ انْتِفَاعِ الْقَابِضِ، فَكَانَ ضَمَانُهُ عَلَى الدَّافِعِ لِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ، فَالرِّوَايَتَانِ إذًا مُتَّفِقَتَانِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَهُمَا مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي أَنَّ الضَّمَانَ هَلْ هُوَ عَلَى الْقَصَّارِ أَوْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ رِوَايَةَ ضَمَانِ الْقَصَّارِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا فَيَضْمَنُ جِنَايَةَ يَدِهِ، وَرِوَايَةُ عَدَمِ ضَمَانِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَجِيرًا خَاصًّا فَلَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْهَا، وَأَشَارَ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ فِي الْمُجَرَّدِ
(وَمِنْهَا) لَوْ دَفَعَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ إلَى وَاصِفِهَا ثُمَّ أَقَامَ غَيْرُهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الدَّافِعِ وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا ضَمَانَ لِوُجُوبِ الدَّافِعِ عَلَيْهِ فَلَا يُنْسَبُ إلَى تَفْرِيطٍ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَاصِفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَقَرَّ بِهِ بِالْمِلْكِ، أَمَّا لَوْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ يَظُنُّهُ صَاحِبُهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يَضْمَنُ لِتَفْرِيطِهِ. وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتْلِفِ وَحْدَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَصَّارِ
وَلَوْ قَتَلَ مَنْ يَظُنُّهُ قَاتِلَ أَبِيهِ لِاشْتِبَاهِهِ بِهِ فِي الصُّورَةِ قُتِلَ بِهِ لِتَفْرِيطِهِ فِي اجْتِهَادِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ. وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنْ لَا قَوَدَ وَأَنَّهُ يَضْمَنُ بِالدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَسَارَ قَاطِعِ يَمِينِهِ ظَانًّا أَنَّهَا الْيَمِينُ فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَانِي عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ وَجْهَانِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ مَضَى عَلَى الْمَفْقُودِ زَمَنٌ تَجُوزُ فِيهِ قِسْمَةُ مَالِهِ فَقَسَمَ ثُمَّ قَدِمَ فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَكَى فِي ضَمَانِ مَا تَلِفَ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ مِنْهُ رِوَايَتَيْنِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي دَاوُد عَدَمُ الضَّمَانِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ جَازَ اقْتِسَامُ الْمَالِ فِي الظَّاهِرِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، وَلِهَذَا يُبَاحُ لِزَوْجَتِهِ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَإِذَا قَدِمَ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَهْرِ فَجَعَلَ التَّصَرُّفَ فِيمَا يَمْلِكُهُ مِنْ مَالٍ وَبُضْعٍ مَوْقُوفًا عَلَى تَنْفِيذِهِ وَإِجَازَتِهِ مَا دَامَ مَوْجُودًا فَإِذَا تَلِفَ فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ فِيهِ وَنَفَذَ فَإِنَّ إجَازَتَهُ وَرَدَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودِ لَا بِالْمَفْقُودِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَدِمَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ وَمَاتَتْ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَا يَرِثُهَا، وَيُشْبِهُ ذَلِكَ اللُّقَطَةُ إذَا قَدِمَ الْمَالِكُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالتَّمَلُّكِ وَقَدْ تَلِفَتْ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُهَا لِلْمَالِكِ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ مَعَ التَّلَفِ وَإِنَّمَا يَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute