بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ الْكُلَّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ كَذَا قَالَ الْقَاضِي. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: يَضْمَنُ نِصْفَهُ أَيْضًا.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ اقْتِسَامُهُ بَلْ يَتَعَيَّنُ حِفْظُهُ كُلُّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ ; لِأَنَّ الْمُتَرَاهِنَيْنِ إنَّمَا رَضِيَا بِحِفْظِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا الِانْفِرَادُ كَالْوَصِيَّيْنِ وَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا يُخْرِجُ الْوَدِيعَةَ لِاثْنَيْنِ وَالْوَصِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِفْظِ خَاصَّةً دُونَ التَّصَرُّفِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ انْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ التَّصَرُّفِ فَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: تَصَدَّقَا عَنِّي بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ مِنْ ثُلُثِي فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى حِدَةٍ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمَا فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. وَهَذَا قَدْ يَخْتَصُّ بِالصَّدَقَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِالِانْفِرَادِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْحَظُّ وَالْغِبْطَةُ وَالْكَسْبُ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فِي الْمُخَاصَمَةِ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ الِاسْتِبْدَادُ بِهَا كَالْوَصِيَّيْنِ وَوَكِيلَيْ التَّصَرُّفِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ; لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْخُصُومَةِ يَقْتَضِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا انْتَهَى. وَقَالَ [الْقَاضِي] أَيْضًا: وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُعَيَّنُ فَاحْتِمَالَانِ يَعْنِي فِي تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَاتِّحَادِهَا.
(وَمِنْهَا) الضَّمَانُ فَإِذَا ضَمِنَ اثْنَانِ دِيَةَ رَجُلٍ لِغَرِيمِهِ فَهَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الدَّيْنِ أَوْ بِالْحِصَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِلْجَمِيعِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا كَفِيلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ ضَامِنٌ فَأَيُّهُمَا شَاءَ أَخَذَ جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْهُ وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فِيمَنْ قَالَ لِلرَّجُلِ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ عَلَى أَنِّي وَرُكْبَانُ السَّفِينَةِ ضُمَنَاءُ فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ دُونَهُمْ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا بِالضَّمَانِ مَعَهُ.
وَقَدْ يَكُونُ مَأْخَذُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّغْرِيرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَلْقَاهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ قِيمَتَهُ تُرَدُّ عَلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَعَلَى هَذَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ عَالِمًا بِالْحُكْمِ أَوْ جَاهِلًا [بِهِ] .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الضَّمَانَ بِالْحِصَّةِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحُوا بِمَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولُوا ضَمِنَّا لَكَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا الْأَلْفَ الَّتِي لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا مَعَ إطْلَاقِ ضَمَانِ الْأَلْفِ مِنْهُمْ بِالْحِصَّةِ وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالْخِلَافِ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ احْتِمَالَيْنِ وَبَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الضَّامِنَيْنِ فَيَصِيرُ الضَّمَانُ مُوَزَّعًا عَلَيْهِمَا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ الْمَضْمُونُ دَيْنًا مُتَسَاوِيًا عَلَى رَجُلَيْنِ فَهَلْ يُقَالُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِنِصْفِ الدَّيْنَيْنِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِأَحَدِهِمَا بِانْفِرَادٍ؟ إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ ضَمَانِ الْمُبْهَمِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَشَبِيهٌ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute