مَا إذَا كَفَلَ اثْنَيْنِ شَخْصًا لِآخَرَ فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ فَهَلْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ الْآخَرُ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ ; لِأَنَّهُمَا كَفَالَتَانِ وَالْوَثِيقَتَانِ إذَا انْحَلَّتْ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ تَوْفِيَةٍ بَقِيَتْ الْأُخْرَى كَالضَّامِنَيْنِ إذَا بَرِئَ أَحَدُهُمَا وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ.
وَالثَّانِي: يَبْرَأُ ; لِأَنَّ التَّوْفِيَةَ قَدْ وُجِدَتْ بِالتَّسْلِيمِ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولَ نَفْسَهُ أَوْ وَفَّى أَحَدُ الضَّامِنَيْنِ الدَّيْنَ وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي وَقَوْلُ الْأَزَجِيِّ فِي نِهَايَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ السَّامِرِيِّ فِي فُرُوقِهِ وَهُوَ يَعُودُ إلَى أَنَّهَا كَفَالَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا إنْ كَفَلَا كَفَالَةَ الِاشْتِرَاكِ فَإِنْ قَالَا: كَفَلْنَا لَكَ زَيْدًا نُسَلِّمُهُ إلَيْكَ فَإِذَا سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا بَرِئَ الْآخَرُ ; لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُلْتَزَمَ وَاحِدٌ فَهُوَ كَأَدَاءِ أَحَدِ الضَّامِنَيْنِ لِلْمَالِ، وَإِنْ كَفَلَا كَفَالَةَ انْفِرَادٍ وَاشْتِرَاكٍ بِأَنْ قَالَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَفِيلٌ لَكَ بِزَيْدٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُلْتَزِمٌ لَهُ إحْضَارًا فَلَا يَبْرَأُ بِدُونِهِ مَا دَامَ الْحَقُّ بَاقِيًا عَلَى الْمَكْفُولِ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَفَلَا عَقْدَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْقَاضِي فِي ضَمَانِ الرَّجُلَيْنِ لِلدَّيْنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عُقُودَ التوثقات وَالْأَمَانَاتِ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى جُمَلٍ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ فِيهَا تَوْزِيعُ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ أَوْ أَجْزَائِهَا عَلَى أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْمُقَابِلَةِ لَهَا أَوْ عَلَى أَجْزَاءِ الْعَيْنِ الْمُقَابِلَةِ لَهَا فَيُقَابَلُ كُلُّ مُفْرَدٍ لِمُفْرَدٍ أَوْ كُلُّ مُفْرَدٍ لِجُزْءٍ أَوْ كُلُّ جُزْءٍ لِجُزْءٍ، وَيُمْكِنُ تَوْزِيعُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْجُمْلَةِ عَلَى مَجْمُوعِ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى أَوْ أَجْزَائِهَا فَيَثْبُتُ الِاشْتِرَاكُ بِالْإِشَاعَةِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَاحِدًا وَيُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ التَّوْثِقَةِ وَالْأَمَانَةِ بِكَمَالِهِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٌ فَيَكُونُ هَاهُنَا عُقُودٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ التَّفْرِيعَ عَلَى هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ: فَأَمَّا عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ وَلَوْ قِيلَ بِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ فِيمَا يَتَعَدَّدُ الْمُتَعَاقِدِينَ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ ثَابِتًا فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ لِمَالِكَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِيهَا بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: أَنْ يُوصِيَ بِعَيْنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ يُوصِي بِهَا لِعَمْرٍو وَيَقُولُ: لَيْسَ بِرُجُوعٍ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَحِقًّا لِلْعَيْنِ لِكَمَالِهَا وَيَقَعُ التَّزَاحُمُ فَيَشْتَرِكَانِ فِي قَسْمِهَا، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمُوصِي أَوْ رَدَّ لَاسْتَحَقَّهَا الْآخَرُ بِكَمَالِهَا.
وَالثَّانِيَة: أَنْ يَقِفَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ مَوْصُوفِينَ ثُمَّ عَلَى آخَرِينَ بَعْدَهُمْ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْوَقْفِ بِانْفِرَادِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الطَّبَقَةِ سِوَاهُ لَاسْتَحَقَّ الْوَقْفَ كُلَّهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ.
وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بِنَّ أَبِي مُوسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي فِيمَنْ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى وَلَدِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا فَإِنْ حَدَثَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدَثُ الْمَوْتِ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى وَلَدِهِ يَعْنِي الْوَاقِفَ وَوَلَدِ أَوْلَادِهِمْ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَا تَنَاسَلُوا وَقَدْ وَلَدَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ وَقَفَ عَلَيْهِمْ أَوْلَادًا هَلْ يَدْخُلُونَ مَعَ آبَائِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute