مَا خُرِقَ مِنْ جِلْدِهِ هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ وَخَرَّجَهُ طَائِفَةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِ مَا سَقَطَ بَعْدَ الذَّبْحِ فِي بِنَاءِ وَنَحْوِهِ لِإِعَانَتِهِ عَلَى قَتْلِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ تَحْرِيمُهُ هَاهُنَا فَيَضْمَنُ الثَّانِي قِيمَتَهُ كَامِلَةً وَيَسْقُطُ مِنْهَا قَدْرَ جُرْحِ الْأَوَّلِ.
وَمِنْ صُوَرِ الْقِسْمِ الثَّانِي مَسَائِلُ: مِنْهَا: لَوْ قَدَّمَ إلَيْهِ طَعَامًا مَسْمُومًا عَالِمًا بِهِ فَأَكَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْحَالِ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الْمُقَدِّمُ، وَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَتَلَ الْحَاكِمُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا بِشَهَادَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا الْكَذِبَ فَالضَّمَانُ وَالْقَوَدُ عَلَيْهِمْ دُونَ الْحَاكِمِ. وَنَقَلَ أَبُو النَّصْرِ الْعِجْلِيّ عَنْ أَحْمَدَ إذَا رَجَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرْجُومَ مَجْبُوبٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَهُوَ مُشْكِلٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ بِالْعِيَانِ فَهُوَ كَإِقْرَارِهِمْ بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَجْبُوبَ لَا يُخْفَى أَمْرُهُ غَالِبًا فَالْإِقْدَامُ عَلَى رَجْمِهِ لَا يَخْلُو مِنْ تَفْرِيطٍ، وَبِأَنَّ الشُّهُودَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَعَمُّدُهُمْ لِلْكَذِبِ وَأَمَّا إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ أَوْ كُفَّارٌ وَقُلْنَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَكَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَهُ حَالَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: أَنْ يَسْتَنِدَ الْحَاكِمُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ إلَى تَزْكِيَةِ مَنْ زَكَّاهُمْ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهُمَا: الضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّيَيْنِ قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَالتَّرْغِيبِ ; لِأَنَّهُمْ أَلْجَئُوا الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ، وَالْحَاكِمُ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَالشُّهُودُ لَا يَعْتَرِفُونَ بِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِمْ فَيَتَعَيَّنُ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُزَكِّيَيْنِ.
وَالثَّانِي: الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَحْدَهُ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ، وَحُكْمُهُ يَخْتَصُّ بِالْمَحْكُومِ بِهِ، بِخِلَافِ التَّزْكِيَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالْمَحْكُومِ بِهِ.
وَالثَّالِثُ: يُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ تَضْمِينِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْحَاكِمِ وَالْمُزَكِّيَيْنِ وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُزَكِّيَيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهِ تَغْرِيمِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّيَيْنِ لِإِلْجَائِهِمْ الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ وَجْهٌ رَابِعٌ: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الشُّهُودِ كَمَا لَوْ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَلَا يَصِحُّ حِكَايَتُهُ عَنْهُ لِتَصْرِيحِهِ بِخِلَافِهِ ; وَهُوَ غَيْرُ مُتَّجِهٍ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِمْ وَلَا ظَهَرَ كَذِبُهُمْ، بِخِلَافِ الرَّاجِعِينَ عَنْ الشَّهَادَةِ. لَكِنْ ذَكَرَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَيَضْمَنُ الشُّهُودُ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute