للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ ضَمَانَ الشُّهُودِ مِنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا ثُمَّ بَانُوا فُسَّاقًا فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ، وَهَذَا تَخْرِيجٌ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَا قَذْفٌ فِي الْمَعْنَى مُوجِبَةٌ لِلْحَدِّ فِي نَفْسِهَا، إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَعَهَا كَمَالُ النِّصَابِ الْمُعْتَبَرِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا، وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْحَدَّ أَوْ لَا، وَلَيْسَ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الشَّاهِدِ نَظِيرُ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْمَالِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ضَمَانٌ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَنْشَأَ عَنْهَا غُرْمٌ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهَا إمَّا بِإِقْرَارِ الشَّاهِدِ أَوْ يَتَبَيَّنُ كَذِبُهَا بِالْعِيَانِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَة: أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَحْدَهُ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابُ ; لِتَفْرِيطِهِ بِقَبُولِ مَنْ لَا تَجُوزُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ لَهُ إلَى الْقَبُولِ.

وَمِنْهَا: الْمُكْرَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ وَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَحْدَهُ، لَكِنْ لِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الْمُتْلِفِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ ; لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ، فَلِهَذَا شَارَكَهُ فِي الضَّمَانِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ.

وَالثَّانِي: عَلَيْهِمَا بِالضَّمَانِ كَالدِّيَةِ، صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ احْتِمَالًا، وَعَلَّلَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِثْمِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ، وَكَانَ فَرْضُ الْكَلَامِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَحَكَى احْتِمَالًا آخَرَ: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتْلِفِ وَحْدَهُ، كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ الْغَيْرِ فَأَكَلَهُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا ; لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ لَمْ يُلْجِئْهُ إلَى الْإِتْلَافِ مَنْ يُحَالُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.

وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِ الْمَالِكِ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا ضَمَانَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ.

وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ مَفْرِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ بِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالْإِكْرَاهِ بِخِلَافِ هَذَا، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَشْمَلُ الْإِتْلَافَ أَيْضًا، وَتَابَعَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِأَبِي الْبَرَكَاتِ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ فَدَخَلَهَا مُكْرَهًا، وَفِي الْفَتَاوَى الرَّجَبِيَّاتِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ الضَّمَانُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ افْتَدَى بِهَا ضَرُورَةً، وَعَنْ ابْنِ الزاغوني أَنَّهُ إنْ أُكْرِهَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا إثْمَ، وَإِنْ نَالَهُ الْعَذَابُ فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ.

وَأَشَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ إلَى خِلَافٍ فِي أَصْلِ جَوَازِ تَضْمِينِ الْمُكْرَهِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا مُكْرَهًا فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ لَهُ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ ثَوْبٍ عَلَى أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ عُدْوَانًا إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الْحَفْرِ لَمْ يَضْمَنْ، لَكِنَّ هَذَا إكْرَاهٌ عَلَى السَّبَبِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ، وَهَذِهِ النُّقُولُ الثَّلَاثَةُ

<<  <   >  >>