مِنْهَا: لَوْ رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا أَوْ حُرٌّ عَبْدًا فَلَمْ يَقَعْ بِهِمَا السَّهْمُ حَتَّى أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ ثُمَّ مَاتَا فَهَلْ يَجِبُ الْقَوَدُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ حَامِدٍ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي لِفَقْدِ التَّكَافُؤِ حِينَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ حَالَةُ الْإِرْسَالِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ رَمَى إلَى مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَأَخَذَهُ مِمَّا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ أَرْسَلَ سَهْمًا عَلَى زَيْدٍ فَأَصَابَ عَمْرًا قَالَ هُوَ عَمْدٌ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، فَاعْتُبِرَ الرَّمْيُ الْمَحْظُورُ إذَا أَصَابَ بِهِ مَعْصُومًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمَقْصُودِ.
وَفَرَّقَ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ رَمْيِ الْمُرْتَدِّ وَالذِّمِّيِّ بِأَنَّ رَمْيَ الْمُرْتَدِّ مُبَاحٌ، وَرَدَّهُ الْقَاضِي بِأَنَّ رَمْيَهُ لِلْأَمَانِ لَا إلَى آحَادِ النَّاسِ فَهُوَ غَيْرُ مُبَاحٍ لِآحَادِهِمْ، وَأَمَّا النَّصُّ الْمَذْكُورُ فَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ الْقَاضِي، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَصَدَ هُنَاكَ مُكَافِئًا وَأَصَابَ نَظِيرُهُ وَهُنَا لَمْ يَقْصِدْ مُكَافِئًا، وَقَدْ خَرَّجَ صَاحِبُ الْكَافِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِي مَسْأَلَةِ النَّصِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أَصْلُهُ وَأَمَّا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فَجَعَلَهُ خَطَأً بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّهُ أَصَابَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ، فَأَشْبَهَ مَا إذَا قَصَدَ صَيْدًا، وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ قَصَدَ مَعْصُومًا فَأَصَابَ نَظِيرَهُ، بِخِلَافِ مَنْ قَصَدَ صَيْدًا، وَلِهَذَا لَوْ قَصَدَ صَيْدًا مُعَيَّنًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى هَدَفًا يَعْلَمُهُ فَأَصَابَ صَيْدًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ، أَمَّا لَوْ ظَنَّ الْهَدَفَ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَوَجْهَانِ، وَقَدْ يَتَخَرَّجُ هَاهُنَا مِثْلُهُمَا لَوْ رَمَى هَدَفًا يَظُنُّهُ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا غَيْرَهُ ; لِأَنَّ أَصْلَ الرَّمْيِ كَانَ مَحْظُورًا فَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْقَوَدِ، وَأَمَّا الضَّمَانُ فَيَضْمَنُهُ بِدِيَةِ حُرٍّ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا، حَتَّى نَقَلَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا أَصَابَ حُرًّا مُسْلِمًا وَتَكُونُ دِيَةُ الْمُعْتَقِ لِوَرَثَتِهِ دُونَ السَّيِّدِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
وَمِنْهَا: لَوْ رَمَى إلَى مُرْتَدٍّ أَوْ إلَى حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَا ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِمَا السَّهْمُ فَقَتَلَهُمَا فَلَا قَوَدَ بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّ دَمَهُمَا حَالَ الرَّمْيِ كَانَ مُهْدَرًا، وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: وُجُوبُهُ فِيهِمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَالْآمِدِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْهِدَايَةِ، وَعَزَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إلَى الْخِرَقِيِّ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ وَهُمَا حِينَئِذٍ مُسْلِمَانِ مَعْصُومَانِ، وَلَا أَثَرَ لِانْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ حَالَ السَّبَبِ، كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا لَهُمَا فَوَقَعَا فِيهَا بَعْدَ إسْلَامِهِمَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي: وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ رَمْيَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ مُبَاحٌ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مُرَاعًا فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْوُقُوعِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا.
وَالثَّانِي: لَا ضَمَانَ فِيهِمَا وَهُوَ أَشْهَرُ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي الْمُرْتَدِّ، وَقَالَ لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ رَمْيَهُمَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ، وَقَدْ حَصَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا إذَا جَرَحَهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَا.
وَالثَّالِثُ: يَضْمَنُ الْمُرْتَدُّ دُونَ الْحَرْبِيِّ وَأَصْلُ هَذَا الْوَجْهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute