وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْحَرْبِيُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ ; وَفِي الْمُرْتَدِّ وَجْهَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ قَتْلُهُ إلَى الْإِمَامِ فَالرَّامِي إلَيْهِ مُتَعَدٍّ وَهُوَ كَالرَّامِي إلَى الذِّمِّيِّ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ قَتْلَهُ، فَرَمْيُهُ لَيْسَ بِعُدْوَانٍ، أَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ لَمَّا رَمَى إلَى مَعْصُومٍ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ وَهُوَ مُهْدَرٌ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ وَذِمِّيٌّ نَقَضَ الْعَهْدَ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ فَلَا ضَمَانَ بِغَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ الْإِصَابَةَ لَمْ تُصَادِفْ مَعْصُومًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ رَمَى مَعْصُومًا، فَأَصَابَهُ السَّهْمُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى عَبْدًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا فَأَصَابَهُ السَّهْمُ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ وَقْتَ الْإِصَابَةِ لَا وَقْتَ الرَّمْيِ بِغَيْرِ خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
وَمِنْهَا: لَوْ رَمَى الذِّمِّيُّ سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَقَدْ أَسْلَمَ الرَّامِي، فَقَالَ الْآمِدِيُّ يَجِبُ ضَمَانُهُ فِي مَالِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا حَالَ الرَّمْيِ لِتَعْقِلَهُ عَاقِلَتُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَلَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ; لِأَنَّهُ حِينَ الْإِصَابَةِ كَانَ مُسْلِمًا وَبِذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْكَافِي، وَكَذَلِكَ حَكَمَ مَا إذَا رَمَى ابْنَ مُعْتَقَةٍ فَلَمْ يُصِبْ حَتَّى أُنْجِزَ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي أَبِيهِ، وَلَوْ رَمَى مُسْلِمًا سَهْمًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَصَابَ سَهْمُهُ فَقَتَلَ فَهَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ أَمْ عَلَى عَاقِلَتِهِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الرَّمْيِ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ.
وَيُخَرَّجُ مِنْهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ وَجْهَانِ أَيْضًا:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمَوَالِي الْأُمِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَوَالِي الْأَبِ.
وَمِنْهَا: لَوْ رَمَى الْحَلَالُ إلَى صَيْدٍ ثُمَّ أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ ضَمِنَهُ، وَلَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ إلَى صَيْدٍ ثُمَّ أَحَلَّ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَمْ يَضْمَنْهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي الْجِنَايَاتِ، قَالَ: وَيَجِيءُ عَلَى قَوْمِ أَحْمَدَ فِيمَنْ رَمَى طَيْرًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ أَنْ يَضْمَنَ هُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَغْلِيبًا لِلضَّمَانِ، انْتَهَى.
وَيَتَخَرَّجُ عَدَمُ الضَّمَانِ فِيمَا إذَا رَمَى وَهُوَ مَحِلٌّ ثُمَّ أَحْرَمَ، مِنْ عَدَمِ ضَمَانِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ اعْتِبَارًا بِإِبَاحَةِ الرَّمْيِ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ قَصْدَ الْإِحْرَامِ عَقِيبَ الرَّمْيِ سَبَبٌ إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّيْدِ فَبِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ قَصَدَ الرَّمْيَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِذَلِكَ.
وَمِنْهَا: لَوْ رَمَى الْحَلَالُ مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ قَالَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ. وَقَالَ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ وَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ سُفْيَانَ لَوْ رَمَى شَيْئًا فِي الْحِلِّ فَدَخَلَتْ رَمْيَتُهُ فِي الْحَرَمِ فَأَصَابَتْ شَيْئًا ضَمِنَ ; لِأَنَّ يَدَهُ الَّتِي جَنَتْ.
قَالَ أَحْمَدُ مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ.
وَكَذَلِكَ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَة ابْنِ مَنْصُورٍ فِي شَجَرَةٍ فِي الْحِلِّ غُصْنُهَا فِي الْحَرَمِ عَلَيْهِ طَيْرٌ لَا يُرْمَى وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ رَمْيِهِ مِنْ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ سِوَاهُ ; لِأَنَّهُ صَيْدٌ مَعْصُومٌ بِمَحِلِّهِ فَلَا يُبَاحُ قَتْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَفِيهِ الضَّمَانُ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الرَّامِي وَمَحِلِّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَا يَثْبُتُ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي إبَاحَةِ