لَنَا فَفَعَلَ ثُمَّ اشْتَبَهَ عَلَيْنَا وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْمُسْتَأْمَنُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ جَمِيعًا.
وَالثَّانِي: يَخْرُجُ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ فَيَكُونُ حُرًّا وَيَرِقُّ الْبَاقُونَ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَالْخِرَقِيِّ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ تُمَيِّزُ الْحُرَّ مِنْ الْعَبْدِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَلَوْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ وَلَدُهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ قَافَةٌ فَإِنَّا نَقْرَعُ بَيْنَهُمَا لِلْحُرِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ. وَمَنْ نَصَرَ الْأَوَّلَ قَالَ إرْقَاقُ الْبَاقِينَ هُنَا يُؤَدِّي إلَى ابْتِدَاءِ الْإِرْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سِوَى اسْتِدَامَةِ الْإِرْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ فِي زَوَالِهِ فَالِاسْتِدَامَةُ تُبْقِيهِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ وَالِابْتِدَاءُ نُقِلَ عَنْ الْأَصْلِ الْمُتَحَقِّقِ مَعَ الشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُعْطِي لِلْأَمَانِ امْرَأَةً وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْنَا لِتَوْجِيهِ جَوَازِ إرْقَاقِ النِّسَاءِ سِوَى وَاحِدَةٍ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَصِرْنَ أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ السَّبْيِ فَقَدْ اشْتَبَهَ هَا هُنَا الرَّقِيقُ بِحُرِّ الْأَصْلِ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ الْمُشَارِ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْ حِصْنٍ قَبْلَ فَتْحِهِ ثُمَّ فَتَحْنَاهُ وَادَّعَى كُلُّهُمْ أَنَّهُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ وَاحِدٌ فَلَا يُسْتَرَقُّ، وَيُسْتَرَقُّ الْبَاقُونَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَسْلَمُوا بَعْدَ الْقَهْرِ وَذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِرْقَاقَهُمْ عَلَى لِيَكْسِبُوا فَقَدْ اشْتَبَهَ هَاهُنَا الْحُرُّ بِمَنْ يَثْبُتُ اسْتِرْقَاقُهُ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ.
وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمَ مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْأَمَانِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا.
(وَمِنْهَا) إذَا جَعَلْنَا مَالًا لِمَنْ يَفْتَحُ الْحِصْنَ فَادَّعَى اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الَّذِي فَتَحَهُ دُونَ الْآخَرِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِدَعْوَاهُمَا لَهُ.
وَالْآخَرُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ كَانَ الْمَالُ لَهُ.
(وَمِنْهَا) لَوْ حَلَفَ بِيَمِينٍ وَلَمْ يَدْرِ أَيُّ الْأَيْمَانِ هِيَ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِيَمِينٍ لَا يَدْرِي مَا هِيَ طَلَاقٌ أَوْ غَيْرُهُ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَسْتَيْقِنَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ مُوجِبَاتِ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ مُوجِبِ كُلِّ يَمِينٍ بِانْفِرَادِهَا. وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ صَالِحٌ: سَأَلْت أَبِي عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لَا يَدْرِي مَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْمَشْيِ قَالَ لَوْ عَرَفَ اجْتَرَأْتُ أَنْ أُجِيبَ فِيهَا فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَدْرِ؟ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَمَا خَرَجَ بِالْقُرْعَةِ لَزِمَهُ مُقْتَضَاهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّكِّ وَلَكِنَّهُ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ أَنَّهُ اُسْتُفْتِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَوَقَّفَ فِيهَا ثُمَّ نَظَرَ فَإِذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ، فَأَيُّ يَمِينٍ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا قَالَ ثُمَّ وَجَدْت عَنْ أَحْمَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute