إلَّا انْتِفَاءُ الضَّمَانِ، وَمِنْ لَوَازِمِهِ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي التَّلَفِ وَإِلَّا لَلَزِمَ الضَّمَانُ بِاحْتِمَالِ التَّلَفِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ مَعَ تَحَقُّقِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْوَدِيعَةُ إذَا هَلَكَتْ مَالُ الْمُودَعِ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ فِيهَا فِي قَبُولِ [قَوْلِ] الْمُودَعِ فِي التَّلَفِ لَا فِي أَصْلِ ضَمَانِهِ وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ وَالْمُسْتَأْجَرُ عَلَى عَمَلٍ [فِيهَا] حُكِيَ فِيهَا رِوَايَةٌ بِالضَّمَانِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَهَا رِوَايَةً بِثُبُوتِ الضَّمَانِ فِيهَا فَلَا تَكُونُ أَمَانَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي قَبُولِ دَعْوَى التَّلَفِ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى فَلَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ الْأَمَانَةِ وَأَمَّا الرَّدُّ فَالْأُمَنَاءُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ.
الْأَوَّلُ مَنْ قَبَضَ الْمَالَ لِمَنْفَعَةِ مَالِكِهِ وَحْدَهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الرَّدِّ مَقْبُولٌ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ إذَا ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى الرَّدِّ بِدُونِ بَيِّنَةٍ وَخَرَّجَهَا ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى دَفْعِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ بِالْبَيِّنَةِ وَاجِبٌ فَيَكُونُ تَرْكُهُ تَفْرِيطًا فَيَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ وَكَذَلِكَ خَرَّجَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي وَصِيِّ الْيَتِيمِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ بِدُونِ بَيِّنَةٍ، وَعَزَاهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ إلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ ; لِأَنَّ الْإِشْهَادَ بِالدَّفْعِ إلَى الْيَتِيمِ مَأْمُورٌ بِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ بِاشْتِرَاطِهِ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَنْ قَبَضَ الْمَالَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ كَالْمُرْتَهِنِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِشِبْهِهِ بِالْمُسْتَعِيرِ وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَجْهًا آخَرَ بِقَبُولِ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْجُمْلَةِ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْمُسْتَأْجَرِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ قَبَضَ الْمَالَ لِمَنْفَعَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ كَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ بِجُعْلٍ وَالْوَصِيُّ كَذَلِكَ فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِمْ فِي الرَّدِّ وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ لِوُجُودِ الشَّائِبَتَيْنِ فِي حَقِّهِمْ.
(أَحَدُهُمَا) عَدَمُ الْقَبُولِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُضَارِبِ فِي رِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِدَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ.
(وَالثَّانِي) : قَبُولُ قَوْلِهِمْ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنِهِ أَبِي الْحُسَيْنِ وَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ وَوَجَدْت ذَلِكَ مَنْصُوصًا عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي الْمُضَارِبِ أَيْضًا فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى آخَرَ [أَلْفَ دِرْهَمٍ] مُضَارَبَةً فَجَاءَ بِأَلْفٍ فَقَالَ هَذَا رِبْحٌ وَقَدْ دَفَعْتُ إلَيْكَ أَلْفًا رَأْسَ مَالِكِ قَالَ وَهُوَ مُصَدِّقٌ فِيمَا قَالَ، وَوَجَدْت فِي مَسَائِلِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ هَذَا أَيْضًا، وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ مُهَنَّا فِي مُضَارِبٍ دَفَعَ إلَى رَبِّ الْمَالِ كُلَّ يَوْمٍ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ كَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَحُكْمُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ حُكْمُ هَؤُلَاءِ وَكَذَلِكَ مَنْ يَعْمَلُ فِي عَيْنٍ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهَا لِأَنَّهُ إمَّا أَجِيرٌ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute