فَهِيَ كَالثَّمَرِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِإِتْلَافِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا يُخْشَى انْفِسَاخُ الْعَقْدِ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَالْمُصَالَحِ بِهِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَأَبِي الْخَطَّابِ - غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْهُ الصَّدَاقَ - وَالسَّامِرِيِّ وَصَاحِبَيْ الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى صِحَّةِ هِبَةِ الْمَرْأَةِ صَدَاقَهَا قَبْلِ الْقَبْضِ وَهُوَ تَصَرُّفٌ فِيهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَلَفَ هَذِهِ الْأَعْوَاضِ لَا تَنْفَسِخُ بِهَا عُقُودُهَا فَلَا ضَرَرَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَعَ هَذَا فَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَمَيِّزِ فِيهَا مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَ التَّصَرُّفِ وَالضَّمَانِ هُنَا وَنَسَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَأَثْبَت الضَّمَانَ وَمَنَعَ التَّصَرُّفَ وَهُوَ وَهْمٌ عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.
وَقَالَ هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَالْمُفْرَدَاتِ وَالْحَلْوَانِيِّ وَالشِّيرَازِيِّ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إلْحَاقًا لَهَا بِسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَلَا يَصِحُّ التَّفْرِيقُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ لِأَنَّ الزَّبْرَةَ الْحَدِيدَةَ الْعَظِيمَةَ إذَا اُشْتُرِيَتْ وَزْنًا فَلَا يُخْشَى هَلَاكُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا مَمْنُوعٌ، وَمَنَافِعُ الْإِجَارَةِ يُخْشَى هَلَاكُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا جَائِزٌ، وَرَجَّحَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْأَوَّلَ وَلَكِنْ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ مَنْعِ التَّصَرُّفِ الرِّبْحُ فِيمَا لَمْ يُضْمَنْ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَهُنَا وَهُوَ أَحَدُ الْمَآخِذِ لِلْأَصْحَابِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَدَّ الْقَاضِي فِي هَذَا الضَّرْبِ الْقَرْضَ وَأَرْشَ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ، وَوَافَقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقَرْضَ لَا يُمْلَكُ بِدُونِ الْقَبْضِ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ يَنْفَسِخُ الصُّلْحُ عَنْهَا بِتَلَفِ الْعِوَضِ الْمَضْمُونِ وَكَذَلِكَ أُرُوشُ جِنَايَاتِ الْخَطَأِ بِخِلَافِ الْعَمْدِ أَوْ نَحْوِهِ لَيْسَ بِعَقْدٍ لِيَدْخُلَهُ الْفَسْخُ ثُمَّ إنَّهُ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْخَارِجِ إلَّا بِالْقَبْضِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَلْحَقَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بِهَذَا أَيْضًا الْمِلْكَ الْعَائِدَ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالِاسْتِرْدَادِ لِأَنَّهُ لَا يُخْشَى انْتِقَاضُ سَبَبِهِ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي اخْتَارَهُ.
فَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ الْمُنْفَسِخُ عَنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ صَارَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَشْهَرِ فَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يُمْنَعَ كَالْعَوَارِيِّ وَالْغُصُوبِ، لَوْ حَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَى الْمُفْلِسِ ثُمَّ عَيَّنَ لِكُلِّ غَرِيمٍ عَيْنًا مِنْ الْمَالِ بِحَقِّهِ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الزَّكَاةِ مِنْ الْمُجَرَّدِ فَعَلَى هَذَا يَتَوَجَّهُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
تَنْبِيهٌ: مَا اُشْتُرِطَ الْقَبْضُ لِصِحَّةِ عَقْدٍ لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute