قصيدة واحدة، ولا يمكن أن تأتي فيها لاختلاف تفعيلات البحور، ولو جاءت قوافي قصيدة واحدة لكان الميزان مضطربا، والخلل كريها، وكان حريا بمن يريد من كتاب يؤلفه لاصحاب القوافي أن يضمن لهم اليسر، مع أن الامر بين، ولو اهتدى بهدي الشعراء في قصائدهم لادرك ذلك، ولكنه لم يفطن للقافية في القصيدة الواحدة، فحشد الكلمات وحشرها كما اتفق له. والاختلاف واضح بين منهجي البندنيجي والجوهري وعمليهما وقصد كل منهما في عمله. وإن سبق البندنيجي في الوجود وسبق كتابه لا ينفيان ابتكار الجوهري منهجه، بل يثبتان له الابتكار الذي يؤكده أن البندنيجي نفسه وكتابه معه مغموران، وليس نهجه نهج الجوهري الذي يختلف كله عن نهج البندنيجي في تأسيس المنهج وطريقته. وما دام الجاسر نفسه يثبت ذلك ويذكره فلا يصح أن ينفي عن الجوهري ابتكاره لمنهجه المعجمي الذي لم يسبق إليه. ومن الثابت المؤكد أن البندنيجي لم يرد من كتابه تأليف معجم لغوي، وإنما أراد تيسير القافية على الشعراء، ولم يرد غيره، وأما الجوهري فلم يرد خدمة الشعراء وإنما أراد أن يقدم معجما فقدم أصح معجم عربي خطا بالتأليف المعجمي أوسع خطوة عرفها تاريخ المعجمات العربية. وقد وهم بعض الباحثين فذكروا سبب ترتيب الجوهري صحاحه على أواخر الكلمات وزعموا أن أراد تيسير القافية على الشعراء والسجع على الكتاب، ورأينا نحن رأيا غير ما رأوا، وقلنا في " مقدمة الصحاح " صفحة ١٢١ - ١٢٢:" وقد ذكر بعض الباحثين العلماء أن سبب اختيار الجوهري - أو من تبعه - ترتيب معجمه على أواخر الكلمات: التيسير على الشعراء والكتاب والنظم والنثر، فالكتاب كانوا يلتزمون السجع، والشعراء القوافي، فهم في حاجة إلى كلمات باعتبار أواخرها، أو أن غلبة السجع أو نظم القوافي هديا مؤلفي المعجمات - وعلى رأسهم الجوهري - إلى هذه الطريقة. " ونحن لا نقبل هذا الرأي ونراه غير علمي، وإذا صح هذا السبب فما أهون شأن مؤلفي المعجمات وما أضأل القصد! " والذي نراه أن منهج الجوهري في ترتيب صحاحه باعتبار أواخر الكلمات غير مقصود منه تيسير الامر على الشعراء والكتاب، حتى يجدوا السجع وكلمات القوافي دون عناء، بل أراد الجوهري أن يؤلف معجما للناس جميعا دون أن ينظر إلى طائفة واحدة