للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يؤثرها بعمله العظيم. " أما المنهج الذي اتبعه فهو من ابتكاره، وهداه إليه علمه الواسع بالصرف واشتغاله به، فهو قد رأى أن ميزان الكلمة الفاء والعين واللام، والتغيير يلحق ما قبل لام الكلمة، وتنقلب " فعل " بين أحوال كثيرة وتأتي في صور شتى، وهي: أفعل وفعل وفاعل وانفعل وافتعل وافعل وتفاعل وتفعل واستفعل وافعوعل وافعول وافعال. " وهذه - هي - أوزان مزيد الفعل المجرد، ويظهر منها أن التغيير تناول الفاء والعين، فتارة يتقدم الفاء حرف وتارة حرفان، وتارة ثلاثة، أما العين فقد تنفصل عن الفاء وقد تنفصل عن اللام، وقد تضعف. " أما لام الكلمة فثابتة لا تتغير مهما اختلفت صورة الكلمة إلا في حالات قليلة، ومتى لحقها التغيير أو زيد بعدها حرف أو حرفان فإن الكلمة تنتقل إلى أوزان أخرى، ولا تعتبر من الثلاثي، بل تصير رباعية، أو خماسية (١) . " رأى الجوهري أن الفاء والعين لا تثبتان في موضع، ولا تبقيان على حال، أما اللام فثابتة، فترك ترتيب الكلمات على أوائل الحروف لان فيه متيهة الباحث الذي لا يعرف التصريف والمجرد والمزيد، فكلمة " أكرم " واستنوق وترهل ومحجة تضلل الباحث الشادي، بل رأيت بعض العلماء يضلون في الكشف عن مواضعها من المعجم، ولا يعرف في أي حرف هي. " أما طريقة الجوهري فمأمونة هادية، فيجد الباحث " أكرم " وكل ما تفرع من مادة " كرم " في باب الميم، واستنوق في باب القاف، وترهل في باب اللام، ومحجة في باب الجيم، وإذا كان الباحث عارفا بالمجرد والمزيد فإنه سيجد أكرم في فصل الكاف، واستنوق في فصل النون، وترهل في فصل الراء، والمحجة في فصل الحاء. " وأعتقد أن ما ذكرته هو الذي حمل الجوهري على اتباع منهجه الذي ابتكره ابتكارا، أما السبب الذي رآه بعض العلماء - وذكرناه - فهو رأي لا قيمة له علميا. " وأعانه على هذا الابداع في نظامه علمه الواسع بالنحو والصرف حتى قيل في وصفه: إنه " خطيب المنبر الصرفي، وإمام المحراب اللغوي، وإنه أنحى اللغويين ". وما نزال عند رأينا وهو أن الجوهري سابق متفرد، وإمام هذه المدرسة دون منازع، ومبتكر فإذ، ومبتدع منهجه ابتداء لم ينظر فيه إلى مثال سبقه.


(١) استدراك: ليس هذا تغييرا في لام الكلمة، فهي ثابتة لا تغيير، وإن زيد بعدها حرف فهو من جنسها، وأما الضمائر التي تأتي في أواخر الافعال فلا تغير من بناء الكلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>