للناس المثل الأعلى في كرم الأخلاق، وأقرّ من القيم العربية ما وافق روح الإسلام، وهذّبها وأعطاها مفهوما جديدا، فلا عجب حين يمدح الشعراء رسولهم الكريم بمثل هذه القيم، لأنها عنده تأخذ أبعادا جديدة، وتشع بالتقوى والقداسة، وهم يفعلون ذلك لرسوخ التقاليد الفنية في نفوسهم، ولأنهم يريدون ممن حولهم أن يقتدوا بالجانب الإنساني والأخلاقي من شخصية الرسول العظيمة ولتشيع محاسن الأخلاق بين الناس، والتي أكد رسول الله أنه جاء ليتمها «١» ، وأنه يريد للإنسانية خير الدنيا والآخرة، وأن الإسلام ليس دين عبادة فقط، بل هو دين عبادة ودين حياة.
ولا يسعنا إلا أن نقر بروعة ما مدح به الرسول الكريم على هذه الطريقة، وخاصة ما مدح به في حياته وهو لا شك، لون من ألوان المديح النبوي، إلا أن تشابهه مع ما مدح به غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يجعلنا نزحزحه قليلا عن بقية المدح النبوي، الذي أخذ صورة أخرى تقرب من هذا الشعر حينا، وتبتعد حينا آخر.
ولم يكن شعراء زمن البعثة يرمون من وراء مديحهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم أن يكون هذا المديح متميّزا، وفنا قائما بذاته، ولم يكن مديحهم مديحا دينيا محضا، وإن ظهرت فيه السمات الدينية، في حين أن المدائح النبوية هي شعر ديني خالص، امتزج بنفس الشاعر وبما انعكس من أحوال العصر عليها.
القسم الثاني- مدح آل البيت:
ظهر الانحياز لآل البيت والتحزب لهم في وقت مبكر من عمر الدولة العربية الإسلامية، ويمكن أن يعد الشيعة أول فئة سياسية دينية في الإسلام، قالوا بتفضيل آل البيت عامة وأبناء علي بن أبي طالب وفاطمة- رضي الله عنهم- خاصة، وبأحقيتهم في