كان المجتمع المملوكي مجتمعا طبقيا، يسوده نظام الإقطاع العسكري، وكان المماليك على رأس الهرم الاجتماعي، ويشكلون الطبقة الحاكمة، التي تستأثر بثروة البلاد وبالوظائف الكبرى في الدولة، ولا تترك لسواها من أمور الدولة إلا بقدر ما تحتاج إليه ولا تجيده.
وكان المماليك يؤلفون طبقة متميزة، سلطتهم مطلقة، لا يحدها إلا الشرع الإسلامي، وتجاوزوه أحيانا وخاصة عندما يكون السلطان وأمراؤه ممن لا تأخذهم في غيرهم رحمة ولا حرمة، ولذلك حفل تاريخهم بصور من المظالم، وإلى جانبها مظاهر العظمة التي أحاطوا أنفسهم بها، فبذخوا بذخا فاحشا وتركوا بقية الناس عرضة للفقر والجوع، وفريسة للأوبئة والكوارث.
بيد أن ما اتصف به حكم بعضهم من ظلم واضطهاد، وتناقض بين الحاكم والمحكوم في الوضع الاجتماعي، لم يأتوا به جملة، بل كانت هذه المظاهر موجودة من قبل، ولم تكن عند المماليك جميعهم، ولم تجتمع كلها في وقت واحد فكان من سلاطين المماليك وأمرائهم الحريص على العدل، وعلى رفع الكرب والضيق عن الناس.
وكانت العامة تعلن سخطها على المظالم، وتثور المرة تلو المرة، لترفعها عن كاهلها، وكان بعض العلماء يقولون كلمة الحق في وجه من يجور من المماليك، وينبهونهم على واجباتهم ومسؤولياتهم اتجاه من يحكمون، ويظهرون حكم الشرع فيما يتصرفون.