للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنشاط وحافظ على صورته الأصلية، وإن كان قد تأثر بأشكال التعبير الشعري التي عرفت في ذلك العصر.

[الملاحم:]

إن من يقرأ المدائح النبوية يشعر بشيء من النّفس الملحمي فيها، وخاصة في القصائد الطويلة التي سردت سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذكرت معجزاته، ووقفت عند كل صغيرة وكبيرة في حياته صلّى الله عليه وسلّم، وصورت جهاده وغزواته ومواقفه، فإننا نحس بشيء لم نألفه تمام الإلفة في الشعر العربي، لا هو مغاير تماما للشعر القديم، ولا هو متطابق معه، وربما كان تطويرا لما كان سابقا، فالشعر الذي يسرد أحداثا قصصية، يكاد يقترب بشيء من المعالجة والجمع والتوفيق، من الشكل الملحمي.

وقد ألمح النقاد إلى وجود تشابه بين السير الشعبية الكبيرة التي عرفت في الأدب العربي، وبين الملاحم المعروفة في آداب الأمم الآخرى، إلا أن الملاحم نظمت شعرا، في حين أن السير الشعبية في الأدب العربي اختلط فيها الشعر والنثر، ولكننا لو جمعنا الشعر الذي ورد في السيرة الشعبية، وربطنا بعضه مع بعضه ربطا شعريا، وملأنا ثغراته، لأكمل عندنا ملحمة شعرية طويلة، تقترب كثيرا من الملاحم القديمة في الآداب الآخرى.

والسير الشعبية في الأدب العربي لا يعرف لها مؤلف، أو هي من قبيل التأليف الجمعي، يزيدها الشعب كلّما امتد بها الزمن إلى أن استقرت على الشكل الذي نعرفها به اليوم، هذه السير تعبّر عن رغبة الإنسان العربي في تجسيد البطولة القومية المطلقة، لذا تلمّس أبطاله في أعماق التاريخ، وخلع عليهم من الأوصاف ما يرتاح إليه، وألبسهم من الفضائل ما يعتز به ويتطلع إليه، فكان عنترة بن شداد، وكان الزير سالم، وأبو زيد الهلالي، وغيرهم من أبطال العرب الأسطوريين.

<<  <   >  >>