أول ما نجده في مضمون المدحة النبوية هو المقدمة أو التمهيد، وهي سنّة قديمة في قصائد المدح العربية، أخذها مدّاح النبي الأمين وغيّروا فيها لتتلاءم مع مدحهم لسيد الخلق.
والمقدمة تحتوي مواضيع متنوعة، منها الوقوف على الأطلال، وهو تقديم قديم، يراد منه إثارة مشاعر المتلقي، وخلق الجو النفسي الذي يهيّئه لسماع مضمون القصيدة، ويشدّه لمتابعة ما يأتي به الشاعر، ويجعله أقرب إلى التأثر بما يريده.
وكانت مقدمات المدائح النبوية في بداية أمرها تقليدية خالصة، لأن شعراء المديح النبوي في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يكن أمامهم مثال يحتذونه، فلم يخرجوا في مدحهم له عمّا عرفوه في مدح غيره، إلا بإضافة بعض المعاني الإسلامية إلى مديحهم.
فظلوا يقدمون لمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما اعتادوا على تقديمه في مدح غيره، لأنه لم ترسخ المفاهيم الإسلامية في صنعتهم الشعرية، ولم يتح لهم الوقت الكافي ليجسّدوا مفهوم النبوة شعريا، وظلوا على تقاليدهم الشعرية التي رسخت في وجدانهم.
ومن العجب أن نجد شعراء المدح النبوي في العصر المملوكي يقلدون الشعر الذي مدحه به الشعراء القدامى في الوقوف على الأطلال ويفتتحون به مديحهم النبوي، وربما لم يروا طللا، لكنها سنة الشعراء التي تعطي الشاعر شيئا من الأصالة التي يريد أن يدلّ بها على غيره.