وينبّه الناس على مفاهيم العدالة والمساواة، ليرفضوا واقعهم السيء الذي تختل فيه الموازنة بين الفئات التي يتكون منه المجتمع العربي الإسلامي.
القسم الثاني- الأثر التعليمي للمدائح النبوية:
إن انشار المدائح النبوية الكبير بين الناس قد ترك أثرا في نفوسهم، وقبولا، ولولا ذلك ما أصبحت شغل المجالس المختلفة، ومادة الإنشاد في الاحتفالات والأعياد.
والمدائح النبوية حافلة بالمعلومات التاريخية والدينية، ومملوءة بصور العظمة والبطولة، والمواقف الأخلاقية الفذة، وفيها القدوة الحسنة، والدروس المفيدة، والموعظة المقنعة، ولذلك لا بد أن يفيد الناس من المدائح النبوية تاريخا وخلقا ومعرفة بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعجزاته، وأن يحاولوا الاقتداء بسنّته، والابتعاد عمّا يخالف هديه.
ولا شك أن معظم مادحي النبي كانوا يريدون نشر الفضيلة عند ما رصعوا مدائحهم بفضائل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشمائله الكريمة، ويهدفون إلى استخلاص العبر من مواقفه السامية وسيرته المباركة، ويدعون الناس إلى الاقتداء بهديه وسلوك صحابته الغرّ الميامين، ولم يكونوا يقررون شيئا ثابتا معروفا.
إنهم نقلوا المقاصد الدينية إلى الشعر، وتابعوا الدين في تناوله للأخلاق بالصقل والتهذيب، وتوجيه الناس نحو الآداب العامة، ونحو إرساء الروح الجماعية للأمة الإسلامية، وجعل المسلمين قوة واحدة ومجتمعا فاضلا.
وكانت المدائح النبوية في طليعة أشكال الكتابة الأدبية التي كانت تظهر في العصر المملوكي، هادفة إلى الإصلاح الخلقي، مثل الرسائل والكتب التي تناولت الاقتصاد والاجتماع والعقيدة بالدرس والانتقاد، وبيّنت طرق الإصلاح لها، ومنها (إغاثة الأمة) للمقريزي، و (معيد النعم) للسبكي، و (التيسير والاعتبار) للأسدي.