إن الأسباب التي دفعت إلى التوسع في فن المدح النبوي، وساعدت على انتشاره، تشير إلى ما رآه شعراء المدح النبوي من آثار لقصائدهم في نفوس الناس، فالأسباب السياسية تظهر أن قصائد المدح النبوي التي تحمل إشارات سياسية مثل الإشادة بالعرب وتفضيلهم، كانت تلقى تجاوبا عند العرب، وتحثهم على إبراز شخصيتهم في مناحي الحياة كلها، والأسباب الاجتماعية تنمّ عن أن مهاجمة شعراء المدح النبوي للظلم والمساوئ الاجتماعية كانت تنبّه الناس على ضرورة التخلص من هذه المساوئ، والأسباب الدينية تظهر أن شعراء المدح النبوي كانوا يؤثّرون في الجدل الديني الدائر بين المسلمين، فينتصر كل شاعر بالمدح النبوي للمذهب الذي يميل إليه.
والذي ينظر في شعر العصر كله، يلاحظ أنه انعكست عليه ملامح الحياة، وأصداء أحداثها السياسية والاجتماعية، وتياراته الفكرية والدينية.
والمديح النبوي جزء من شعر العصر، حمل ملامحه المعنوية والشكلية، ولم يكن فنا شعريا يقرب من العبادة فقط، لأن الأدب ثمرة لتفاعل الأديب مع بيئته والظروف المحيطة بها، والمؤثرة فيها، ولذا كانت موضوعات الشعر في عصر ما صدى لمظاهر البيئة فيه.
وقد شهد العصر المملوكي على امتداده مصاعب لا حصر لها، وأزمات متلاحقة، وعرف فيه الظلم الاجتماعي، وظل الصراع السياسي والعسكري على أشده، بسبب الغزو الأوروبي والغزو المغولي، فبقي الناس في قلق وضيق وترقب.