قلنا إن الشعر الذي مدح به الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته، لا يعد من المديح النبوي الذي ندرسه، هو مديح نبوي لأنه قيل في النبي وأثاب عليه، لكنه لم يكن يقصد به أن يكون فنا شعريا مستقلا، وإنما مدح به الرسول قبل أن يتضح في أذهان معظم الشعراء مفهوم النبوة، فبقي مدحهم له في جله- مدحا تقليديا يقارب ما يمدح به سادة القوم وعظاماؤهم، فكان مدار المدح هو القيم التي تواضع الناس على تعظيمها وتقديرها في الجاهلية، والتي استمرت في الإسلام بمفاهيم جديدة ومنطلقات اجتماعية إنسانية، فجاء معظم هذا المدح يصحّ أن يقال في غير النبي، ولم يميّزه عن باقي الناس كما هو في الحقيقة.
ومن ناحية ثانية فإن الشعر الذي مدح به النبي في زمن البعثة، وإن تطرق للمعاني الدينية، وتوجه إلى الرسول لكونه نبيا، فهو يفترق عن باقي المديح النبوي، لأنه قيل قبل أن ينتقل الرسول الكريم إلى جوار ربه، فلم تتم له المفارقة بين المديح والرثاء، وكانت دواعيه حية حاضرة، تختلف عن دواعي المديح النبوي الذي جاء بعد ذلك، والذي قصد به الشعراء النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته بقرون عدة، والذي أضحى فنا أدبيا قائما بذاته، له أصوله وقواعده.
ويمكن أن يلحق بهذا الضرب من المديح النبوي شعر الشعراء الذين مدحو النبي بعد وفاته، والذين لم يتجاوزوا في مدحه ما تواضع عليه الناس في مدح السادة والقادة، فكانت جل معانيهم مما يقال في أي إنسان، وليست مما يختص به سيد الناس وهاديهم.