والتقوى في نفوس اللاهين، أو الذين يميلون إلى الخوارق في كل شيء، وخاصة العامة الذين يستهويهم القص، ويرغبون في الخوارق التي تشبع عواطفهم الدينية، ولذلك لم يلتفت شعراء المدائح النبوية إلى ما يثار حول هذه المعجزات من جدل؛ ولم يميزوا بين ما هو ثابت الرواية صحيح النقل، وبين ما هو ضعيف مشكوك فيه، لأنهم وجدوا أنفسهم في رحاب الفن الذي يستجيب للخارق المفعم بالدلالات، وليسوا في مجالس العلم التي تدقق في كل شيء.
[تفضيله:]
أراد شعراء المدائح النبوية إيصال ما يشعرون به إلى الناس بأية طريقة، وما يشعرون به هو كمال رسول الله، وتفرّده وعلو مقامه، وليس أفضل من المعجزات تعبيرا عن ذلك. وربما انساقوا إلى هذا الحرص على ذكر المعجزات بفعل الجدل الديني مع أهل الكتاب، الذين نسبوا إلى أنبيائهم معجزات كثيرة في معرض التفاضل بين الأنبياء والأديان، فجارى المسلمون هؤلاء في الإكثار من نسب المعجزات إلى رسول الله، ونثرها بين الناس، وهذا ما قادهم في مدائحهم النبوية إلى تفضيل النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم على الأنبياء جميعا، وتقديمه عليهم في معجزاته وكماله ومكانته عند الله تعالى، وقد أشاروا إلى ذلك في حديث الإسراء والمعراج، إذ إن حديث الإسراء والمعراج يفصح عن أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصلّى بهم في المسجد الأقصى، وقابلهم أثناء عروجه إلى السماوات العلى، وقد افتتح البوصيري همزيته في التفضيل هذا فقال:
كيف ترقى رقيّك الأنبياء ... يا سماء ما طاولتها سماء
لم يّساووك في علاك وقد حا ... ل سنا منك دونهم وسناء
إنّما مثّلوا صفاتك للنّا ... س كما مثّل النّجوم الماء «١»