إن الطريقة التي يؤدي بها الشاعر أفكاره، أو التي ينظم فيها كلامه، هي التي تظهر مقدرته التعبيرية وتبيّن موهبته البلاغية، فلكل أديب أسلوب مميز في الكتابة قلما يتكرر.
وقد بنيت شهرة كثير من الأدباء على صياغتهم للكلام، وسبكهم للجمل.
وإلى جانب ذلك، فإن لكل عصر ميزات عامة، تجمع خصائص الأسلوب عند أدبائه، وتميزهم عن غيرهم من الأدباء الذين سبقوهم، والأدباء الذين أتوا بعدهم.
ففي أدبنا العربي تدرج الأسلوب أو طريقة الأداء من البساطة في الجاهلية وصدر الإسلام، إلى الاهتمام به والجزالة والقوة في عهد بني أمية وصدر عهد بني العباس، ومن التنميق والعناية بتحسينه في عهد بني العباس إلى الصناعة في أواخر عهدهم، والتصنع فيما بعد، حتى إذا وصل الباحثون في تتبعهم للأسلوب إلى العصر المملوكي، حكموا عليه بالتكلف والضعف والركالة، وتسرب الألفاظ العامية إلى شعر الشعراء ونثر الكتاب، فهل هذا الحكم صحيح؟
إن التعميم في المسائل الأدبية لا يسلم، ويظلم، ولا يصيب كبد الحقيقة، فالأدباء في العصر المملوكي، تباينت طرقهم في التعبير، واختلفت أساليبهم في أداء مقاصدهم، يتساوى في ذلك الكتاب والشعراء، فليست كل كتاباتهم متصنعة، وليس كل شعرهم متكلفا، ففي الأدباء من راق أسلوبه وسلس، وفي الشعراء من جزل أسلوبه ورشق، وإذا كان في الأدب المملوكي ضعف وتكلف، فهو ظاهرة عامة موجودة في كل زمان ومكان، وليست مقصورة على العصر المملوكي وحده، إلى جانب أن ما نراه تصنعا وتكلفا لم يكن أهل العصر يرونه كذلك. ولهذا أسبابه ومسوغاته، منها عجمة الحكام الذين لا يتذوقون بلاغة الأدب، ولا يشجعون الأدباء على العناية بأدبهم، ومنها سيادة ذوق الزخرفة في مظاهر الحياة كلها، من اللباس والآنية، إلى السلاح والمبنى، ومنها انشغال الأديب عن أدبه بما يقيم أوده.