للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المديح النبوي خاصة، لأن التصوف أضحى من الثقافة العامة التي يتأثر بها الناس على اختلاف درجاتهم ومشاربهم.

القسم الرابع- التشوق إلى المقدسات:

إن ذكر ديار الأحبة، والتشوق إلى الديار عند الابتعاد عنها، معروف في الشعر العربي منذ بدايته، فإن المكان الذي يعيش فيه المرء ويألفه، تمتزج إلفته بنفسه، حتى إذا ابتعد عنه أخذت نوازع الحنين إليه تتحرك في النفس، فيحزن لفراقه، ويدعو له بالسقيا والخير، ويستعيد ذكرياته السعيدة والحزينة عما جرى له في ذلك المكان.

وكان العرب في جزيرتهم دائمي الارتحال من مكان لآخر، طلبا للماء والكلأ والأمان، فكان ذلك سببا لهياج الشوق إلى الأماكن التي ارتحلوا عنها، ولاسترجاع الذكريات، ومن هنا جاء وقوف الشعراء العرب على أطلال الديار التي تركها أصحابها، يناجونها، ويستنطقونها عن أصحابها، وخاصة إذا كان للشاعر في الراحلين حبيبة، أخذها الترحال بعيدا عنه.

وقد أضحى ذكر الأطلال تقليدا ثابتا عند الشعراء، قلما يخرجون عنه، وخاصة في شعر المديح، وكثر عندهم ذكر الديار والدعاء لها ومناجاتها، ووصفوا ما تثير في نفوسهم من عواطف وأهواء.

وكان لمرابع الجزيرة العربية النصيب الأوفر من الذكر عند الشعراء، لأن قسما منهم تركها عند الفتح الإسلامي وما بعده، ولأن قسما آخر جاراهم في ذكر هذه الأماكن التي أضحت رمزا أكثر منها حقيقة، وتمهيدا لذكر الحبيبة والغزل، فجرير مثلا يحيي منازل الحجاز بقوله:

حيّ المنازل إذ لا نبتغي بدلا ... بالدّار دارا وبالجيران جيرانا

<<  <   >  >>