للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسم الثاني- البديع:

غلبت الصنعة البديعية على معظم شعر العصر المملوكي ونثره الفني، حتى أصبحت خاصة يعرف بها أدب ذلك العصر، فقد فتن أهل ذلك العصر بزخرف كلامهم مثلما فتنوا بزخرف أبنيتهم وألبستهم وأدواتهم، وعدّ التجويد أو الاستزادة في البديع مما يتفاضل به الأدباء، ومما يدل على مهارتهم وتفوقهم.

ولم يكن شعر المدح النبوي بمنأى عن هذه الصنعة البديعية الطاغية، فظهر البديع في قصائد المدح النبوي بدرجات متفاوتة، فمن الشعراء من حاول مجاراة الأقدمين في مدحه، فلم يترك البديع على شعره إلّا ظلالا باهتة، ومنهم من اعتدل في اصطناع البديع، ومنهم من أسرف في اصطناعه إلى أن انقلبت قصائده إلى معرض لفنون البديع، لا يهمه بعد إثباتها في شعره إن جارت على أسلوبه ومعانيه جميعها، وأتت على حساب دقة المعنى وتدفق الشعور وصدق العاطفة ورونق الصياغة والشاعرية.

وقد أطلقت تسمية البديع على قسم من علم البلاغة الذي يشمل مباحث المعاني والبيان والبديع، ويراد به تحسين الكلام وتنميقه، ومعرفة أسرار جماله ومعانيه، أو كما قال الحلي: «إن أحق العلوم بالتقديم، وأجدرها بالاقتباس والتعليم، بعد معرفة الله العظيم، ومعرفة كلامه الكريم، وفهم ما أنزل في الذكر الحكيم، لتؤمن غائلة الشك والتوهيم.. ولا سبيل إلى ذلك إلا بمعرفة علم البلاغة وتوابعها من محاسن البديع اللتين بهما يعرف وجه إعجاز القرآن..» «١» .

وفنون البديع معروفة منذ القدم في الكلام العربي، أخذ الأدباء يهتمون بها مع تقدم الزمن، ويقصدون إليها قصدا، بعد أن كانت تقع في كلام العرب عفو الخاطر، إلى أن جاء ابن المعتز، ووضع كتابه (البديع) ، فدلّ على بعض أنواعها وحدّدها، وفتح بابا


(١) الحلي: شرح الكافية البديعية ص ٥١.

<<  <   >  >>