للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحين استنفذ الصرصري مالديه عن سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كل صغيرة وكبيرة يعرفها، صوّر وفاته في قوله:

واشتدّ ما يلقاه من إعيائه ... حتى لقد حملوه في الأحضان

وأتاه عزرائيل يطلب إذنه ... ولغيره ما كان ذا استئذان

فاختار قرب الله جلّ ثناؤه ... فمضى حميدا سالما من دان

ثم استعرض مشاهد يوم القيامة، واختتم القصيدة بالحديث عن المدح النبوي وطلب الشفاعة.

إن هذه القصيدة الطويلة، التي جمع فيها الصرصري كل ما يعرفه عن سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والتي حفلت بمظاهر الاتصال بين عالم الواقع وعالم الغيب والشهادة، وبمظاهر الصراع بين الحق والباطل، وجسّدت البطولة الإنسانية المطلقة، لا تغيب عمّن قرأها ملامح الملحمة، وإن لم تتطابق معها، فالمطابقة ليست ضرورية هنا، والمهم أن في قصائد المدح النبوي أبرز الأشكال الشعرية التي تقرب من فن الملاحم، أو فيها الشكل العربي للملحمة.

وإذا خلا الأدب العربي من الملاحم بشكلها المعروف عند الأمم الآخرى، فإن ذلك لا يعيبه ولا ينقص من قدره، ففي الأدب العربي ما لا يوجد في آداب الأمم الآخرى.

<<  <   >  >>