للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي هذه الصلوات والتوسلات التي ينظمها الشاعر وهو في غاية الانفعال والوجد، لا يستطيع أن يقف عند الشكل، ويقلّد سابقيه، أو يحدد خطواته، فموضوعها لا يسمح بأن يكون لها مقدمة وخاتمة، وانتقال بين المواضيع التي تحويها القصيدة، لأن الوسيلة لا تحوي إلا موضوعا واحدا، لذلك جاءت موحدة الشكل متميزة عن باقي المدائح النبوية.

[القيود الشكلية:]

ومن المسائل الهامة في الشكل الشعري عند شعراء المدائح النبوية، مسألة القيود التي يقيد بها الشاعر نفسه قبل نظم قصيدته، كأن يتقيد بعدد الأبيات سلفا، وينظم عددا من القصائد، يرتبها حسب تسلسل حروف الهجاء، ويبدأ كل بيت من القصيدة بحرف القافية، فيضيق على نفسه، ويحملها عسرا، فتفتقد إلى الرواء والرونق والنضارة والشاعرية، وتصبح شكلا هندسيا متقنا، يحسبه الشاعر بدقة، ويحرص على ألا يعتوره أي خلل.

ويتضح ذلك من تقديم الوتري لديوانه (معدن الإفاضات) ، إذ قال: «مدحوه صلّى الله عليه وسلّم بقصائد على حروف الهجاء، وعزوها إلى المعشرات والعشرينيات، ولم يتعرضوا فيها للوتر، والله وتر يحب الوتر، فعملت هذه القصائد على واحد وعشرين بيتا» «١» .

فالوتري يوضح أن بعض شعراء المديح النبوي قد أولعوا بمثل هذه الأشكال الشعرية، وأنهم صنعوا قصائد على عدد حروف الهجاء، كل قصيدة تتألف من عشرة أبيات، وهي المعشرات، أو تتألف من عشرين بيتا، وهي العشرينيات، وأنه يريد أن يشارك في مثل هذا اللون من قصائد المديح النبوي، لكنه يريد زيادة بيت على القصائد


(١) الوتري: معدن الإفاضات ص ٥.

<<  <   >  >>