وقد شهد العصر العباسي مراحل مختلفة من مراحل تطور المديح النبوي، وظهر فيه كثير من مفردات المدائح النبوية ولوازمها.
القسم الخامس- في العصر الفاطمي والأيوبي:
شهد هذا العصر اضطرابا كبيرا، إذ شكلت الدولة الفاطمية تحديا خطيرا للدولة العباسية، ونازعتها السيادة الدينية والسياسية على البلاد العربية الإسلامية، وانقسم الناس بين مؤيد لهذه الخلافة أو تلك، بالإضافة إلى انسلاخ قسم كبير من أجزاء الدولة الشرقية، وابتعادها عن العروبة شيئا فشيئا، وكثرة الدول المستقلة على أطراف الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه. ومن ثم بداية الغزو الأوروبي العاتي الذي استطاع أن يحتل باسم الدين مناطق كبيرة من الساحل الشامي وبرّه، وأن يستولي على مدينة القدس ويقطع طريق الحج، ويمضي في اعتداآته على العرب المسلمين، مهددا بالاستيلاء على المنطقة واستيطانها.
ومن بين هذه الفوضى الشاملة، والعجز المستشري في الدولة الإسلامية، برز الزنكيون ليقودوا حركة الجهاد الواسعة ضد الصليبيين، والتي آتت أكلها بطرد الصليبيين من الوطن العربي فيما بعد، واستطاعوا تقليل الخلافات بين الممالك العربية الإسلامية، وتوحيد مصر والشام، لتكونا دولة قوية تقف بالمرصاد لكل معتد خارجي.
وكان لهذه الأحداث العاصفة صدى في نفوس الناس، والشعراء منهم خاصة، فظهر في شعرهم أثرها واصطبغ بصبغتها، وخاصة ما عملت الدولة الفاطمية على نشره بين الناس، وما تركته حركة الجهاد في نفوسهم.
فالدولة الفاطمية التي نسب خلفاؤها أنفسهم إلى علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- وادعت أنها الدولة الإسلامية الشرعية في عصرها، عملت على نشر عقيدتها عن طريق دعاة نشيطين، انبثوا في أنحاء البلاد العربية الإسلامية، وأحاطت خلفاءها