وقد انتشر نظم الروايات والأحاديث في المدائح النبوية، حتى جار على الشعر فيما بعد، وكذلك إباحة أن يقول الشعراء ما يشاؤون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن كل ما يقولونه حق، فهذه المسألة أدخلت المديح النبوي في خضم الصراع العقائدي، وجعلت بعضهم يوغل في الغيبيات معتمدا على الأحاديث الضعيفة، والروايات المشكوك فيها، فذهب ذلك برونق المدحة النبوية وأخرجها في كثير من الأحيان من دائرة الشعر إلى دائرة النظم العلمي.
أما شاعرنا فإن تباشير النظم عنده خفيفة لينة، لم تجر على الشعر، وقد اختتم قصيدته بالدعاء فقال:
كلّ لساني وانتهت طاقتي ... ولم أصل بعض الذي أرغب
فملت عن مدحته للدّعا ... عسى دعائي عنه لا يحجب
فليس مثلي مادحا مثله ... لا لا ولا العير الذي يركب
صلّى عليه الله من سيّد ... ما تطلع الشّمس وما تغرب
وبذلك نرى أن المديح النبوي في العصر العباسي، بدأ من ذكر النبي الكريم في مدح الخلفاء، وإيجاد علاقة تربطهم به، ومن فخر العلويين بانتسابهم إليه صلّى الله عليه وسلّم، وظهر شيء من المديح النبوي في قصائد العقيدة، وفي حديث الشعراء عن الحج، ومع تقدم الزمن ظهرت مقطوعات خاصة خالصة لمدح النبي الأمين، إلى جانب ما تمثّل به الشعراء من أحواله- عليه السلام-. وجاء التصوف وتطوره ليعطي لشعراء المدائح النبوية آفاقا غيبية رحبة، يحلّقون فيها، ثم وجدنا قصائد كاملة، نظمت في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإن كانت في البداية معارضة لقصائد قيلت في الرسول على عهده، أقبل عليها وخلع على قائليها، لكن الشعراء سرعان ما نظموا مدائح نبوية خالصة، نظرت إلى كل ما تقدم، بيد أنها كانت مما سمحت به قرائح الشعراء أنفسهم.