للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالناس هم الذين طلبوا من الشاعر المتمكّن أن يمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنهم يريدون لمدح النبي الشاعرية الفياضة والمقدرة والتمكن، ليأتي هذا المدح فنا شعريا راقيا، تصبو إليه النفوس وتستمع به. لأن قصائد المدح النبوي عندهم تؤثّر في سامعها، فتفيده وتدخل نشوة الإيمان والحب إلى نفسه، وترفع قدر الشعر وقدر صاحبها، وتنشر مكارم الأخلاق بين الناس، وهي على غاية من الجودة والجمال، لأن الشاعر يحتفل لها كل الاحتفال، ويجهد كي تأتي على أحسن ما تكون صياغة وسبكا، لتليق بموضوعها.

فشعراء المدح النبوي حرصوا عند نظم مدائحهم النبوية على أن يجيدوا النظم، وأن يحتفلوا له كل الاحتفال وأن يرقوا في أسلوبهم قدر الإمكان، نظرا لقداسة الموضوع وسموه، ولاحظوا أنهم كلما أرادوا مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تيسّر لهم النظم، وتفتحت قرائحهم، فجاء شعرهم في المدح النبوي أفضل من شعرهم في سواه، وكأنهم شعروا أن للمدح النبوي أثرا في شعرهم وفي عملية الإبداع الشعري عندهم، فالمدح النبوي يجعل شعرهم منتشرا بين الناس، ويشهرهم عند المهتمين بالشعر، ولذلك يحرصون على إجادته، وبذلك يكون موضوع المدح النبوي دافعا للشعراء كي يحافظوا على جودة شعرهم، وكيلا ينحدروا في نظمه انحدارهم في نظم الموضوعات الآخرى.

[أثره في قصائد الشعر الآخرى:]

وللمدح النبوي أثر آخر في شعر العصر، يتجاوز المدائح النبوية نفسها، وما أشاعته من جودة واهتمام بالشكل الشعري، ويصل إلى القصائد المنظومة في مواضيع مختلفة، وخاصة الشعر الديني الذي يقترب من المدح النبوي.

فشعراء ذلك العصر اعتادوا أن يختموا قصائدهم بأحد عناصر المدح النبوي، وهو

<<  <   >  >>