للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجبالا أعرضت عنها وكانت ... من سبيك اللّجين والإبريز

شرّفت حلّة الرّسالة لمّا ... زنتها من حلاك بالتّطريز «١»

فهذا الشعر وأمثاله، يظهر أن الألفاظ وضعت إلى جانب بعضها، ليتم الوزن وتستقيم القافية، قبل أن تخبر وتؤثر.

فالألفاظ في المدح النبوي تتفاوت في صحتها وفصاحتها من شاعر إلى شاعر، فالشاعر المتمكن تأتي ألفاظه فصيحة صحيحة، والشاعر الذي يعاني ضعفا في ملكته الشعرية وثقافته اللغوية، يعوّض ما ينقصه بأخذ الألفاظ من هنا وهناك، ولا يجيد استخدامها، فتترك آثارا سلبية على شعره، وتبدو فيه الركاكة والضعف والثقل، ويبتعد فيما ينظمه عن اللغة الشعرية التي تتأتى من تالف الألفاظ وارتباطها بالمعنى، وتعبيرها عن تجربة الشاعر ومشاعره.

القسم الثالث- الصنعة الفنية:

منذ القديم بحث الشعراء العرب عن وسائل تزيد التعبير عمقا، وتزيد الأسلوب جمالا، لكنهم لم يتحدثوا عن هذه المسائل، ولم يجهدوا أنفسهم في البحث واصطناعها في شعرهم، فظلت تأتي عندهم عفو الخاطر، وتندرج في أقوالهم دون تعمّل وتكلف، إلى أن تنبّه الشعراء عليها فيما بعد، فأخذوا يكثرون من هذه الوسائل التعبيرية ليزيد أسلوبهم جمالا، حتى جاء ابن المعتز، فوضع فيها كتابا، فتح به للمؤلفين بابا جديدا من أبواب التأليف، يكررون فيه ما نصّ عليه ابن المعتز، ويزيدون ويشرحون.

أما الشعراء فمع تقدم الزمن أولعوا بفنون البديع الجديدة، وقصدوها قصدا، وتصنعوا إدراجها في شعرهم إلى أن أضحت زينة ينوء بها الشعر، وتثقل بها الكتابة، فأضحت من مميزات الأدب في العصر المملوكي.


(١) السيوطي: نظم العقيان ص ٨٠.

<<  <   >  >>