وكانت فنون البديع التي أشار إليها ابن المعتز قليلة بسيطة، لكن الكتّاب الذين جاؤوا بعده، ظلوا يزيدون فيها حتى أضحت على درجة كبيرة من التعقيد، لا يتقنها أو يعرفها إلا المشتغل فيها المتمرس بها، وغلبت على ذوق المتأدبين من أهل العصر، فلا يجدون الجمال الأدبي إلا بها، ولا يعترفون بشاعر إن لم يكن متصنعا لها مكثرا منها، فصارت موضع فخر الشعراء وتفاضلهم، ومقياسا لشاعريتهم.
ولذلك حرص الشعراء على حشد أكبر قدر من فنون البديع في شعرهم، إلى أن أضحت بعض القصائد نظما لهذه الفنون، يتكلف الشاعر إدراجها في شعره، متجنّيا على المعنى وسلامة التعبير من أجلها، وانقلبت الوسيلة إلى غاية، وأضحى الشاعر ينظم القصيدة ليعرض فنون البديع فيها، ولا يأتي بفنون البديع لزيادة المعنى إيضاحا وعمقا، والأسلوب جمالا ورونقا، حتى جعلت مواهب هواة هذه الفنون موضع شك وتساؤل، وأفسدت الظن في مقدرتهم الشعرية، فكأنهم يعانون من فقر في الموهبة والثقافة، ويحتالون على جدبهم في الأصالة بهذه الزخارف البديعية، وهم على العكس من ذلك، فيهم أصحاب الملكات الشعرية الأصيلة، وأصحاب الثقافة الواسعة، الذين رزقوا مقدرة شعرية كبيرة، ولكنه ذوق العصر، ومجاراة السائد فيه.
ونحن لا نستطيع أن نطبق على شعر العصر المملوكي مقاييسنا الجمالية، وإن كنّا لا نستسيغ هذه المبالغة البديعية، فهذه الفنون كانت تعد منتهى البلاغة عندهم، وكانت غاية كل شاعر أن يتفرد باستخدام مميز لها.
وقد مال شعراء هذا العصر إلى المبالغة في اصطناع فنون البديع، ليس في الكثرة فقط، بل والدرجة أيضا، فلم يعد يؤثر فيهم التشبيه العادي أو الجناس البسيط أو الاستعارة البسيطة، فلا يهتزون إلا إذا كانت هذه الفنون على درجة كبيرة من التعقيد، وليس العمق، لأن الاستخدام الجيد لهذه الفنون، والذي يزيد المعنى عمقا، ويحسّن التعبير، لم يسلم إلا للفحول منهم، ولذلك عبّروا عن درجات التشبيه مثلا بالمرقص