للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غربت ركائبهم ودمعي سافح ... فشربت بعدهم بماء غروب «١»

وقد ابتعد الغزل في مقدمة المدائح النبوية عن التعيين، فلم يعد يتبين قارئه إن كان غزلا حقيقيا أم أنه رمز لأشياء أخرى كما هو الأمر عند المتصوفة، الذين عبّروا عن حبهم الإلهي ووجدهم بطريقة الغزل المعروفة، ومن ذلك قول الصرصري في مقدمة نبوية:

شواهد قلب الصّبّ لا تقبل الرّشا ... فكيف قبول النّصح من كاشح وشى

أيأمر خلو بالتّصبّر مغرما ... وآنس ربع الحبّ أصبح موحشا

أما في الهوى العذري عذر لشيّق ... إذا لاح برق من تهامة أجهشا «٢»

ومثل هذا الغزل في مقدمة المدحة النبوية، لا يمكن أن يكون في أحبّة من النساء اللواتي يستملن قلوب العشاق، والغزل كله وجد على طريقة المتصوفة.

فشعراء المديح النبوي لم يكن غزلهم بفتاة معينة، ولم يكن هدفه إظهار المشاعر نحو النساء، وإنما كان غزلا تقليديا، لاستكمال الشكل الشعري للمدحة النبوية، وكان غزلا رمزيا، يراد منه إشاعة مشاعر الوجد والحب للرسول الأمين وصحابته والأماكن المقدسة، والتمهيد للمديح النبوي.

[الرحلة:]

ومثلما ذكر شعراء المديح القدامى رحلتهم إلى الممدوح، ووصفوا طريق الرحلة، ووصفوا راحلاتهم، ليظهروا ما تجشموه من مشاق للوصول إلى الممدوح، فيجزل لهم العطاء، كذلك فعل شعراء المديح النبوي، ونقلوا هذا التقليد إلى المدائح النبوية، وهم صادقون في حديثهم عن الرحلة، لأنهم كانوا يقومون بها للحج أو لزيارة رسول الله


(١) تاريخ ابن خالدون: ٧/ ٤٠٥.
(٢) ابن شاكر: فوات الوفيات ٤/ ٣١١.

<<  <   >  >>