للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الصنعة الخيالية:]

ولو أتينا إلى الخيال في المدح النبوي، لوجدناه متّسعا، حلّق فيه شعراء المدائح النبوية إلى آفاق رحبة، وسبحوا في عالم الملكوت، وخاصة أصحاب الميول الصوفية منهم، الذين رحلوا بأرواحهم إلى عالم الغيب والشهادة، فجسدوه برموزهم وإشاراتهم التي تستغلق على من لم يسر في طريقتهم، وتذوق مواجدهم، ومثال ذلك قول العفيف التلمساني في حديثه عن دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للناس إلى الهدى:

نادى قريشا خصوصا والأنام به ... يعني عموما فصمّوا في مناديه

ما أقبح الشّكل في مرآة أعينكم ... إذ كلّكم شخصه فيها يلاقيه

تا لله لو صدقت منكم عزائمكم ... عن كلّ قصد صحيحات دواعيه

إذا لشاهدتم بي حقائقكم ... ما يدرك الميّت المعنى فيحييه

فصار ما كان قبحا في نواظركم ... حسنا يدين بدين العشق واليه «١»

وكذلك الأمر في الحديث عن اليوم الآخر، إذ اعتمد الشعراء على ما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف من وصف ليوم القيامة، ولما سيجري به، إضافة إلى الروايات الغيبية التي حملت بعض شعراء المدح النبوي إلى التحليق بخيالهم إلى مشاهد ذلك اليوم العظيم وتخيّله، مثل قول البرعي:

وللمرء يوم ينقضي فيه عمره ... وموت وقبر ضيّق فيه يولج

ويلقى نكيرا في السّؤال ومنكرا ... يسومان بالتّنكيل من يتلجلج

ولا بدّ من طول الحساب وعرضه ... وهول مقام حرّه يتوهّج


(١) ديوان العفيف التلسماني، ورقة ٢١٤.

<<  <   >  >>